فيصل الزامل
د.محمد أبو المجد أول طبيب في العالم تخصص في زرع الأمعاء وهو يعمل في مستشفى جامعة بتسبرج في بنسلفانيا وقد طلبت منه الجامعة تدريب أربعة أطباء في كل عام نظرا لعدم توافر أطباء في هذا التخصص النادر، ولهذا السبب فقد كانت أجرته الأعلى في طول وعرض الولايات المتحدة، قال لي صديق كويتي تمت معالجة ابنه على يد د.أبو المجد وهو مصري المولد: «سألته، هل يقرب لك د. كمال أبو المجد، وزير الأوقاف السابق في مصر؟» فقال «أنا فين وهو فين، دا أنا واحد غلبان وعلى باب الله» يتابع صاحبي «يوجد في جامعة بتسبرج مسجد صغير للطلبة، كثيرا ما أجد هذا الطبيب جالسا هناك يقرأ القرآن بخشوع وهدوء، بينما اسمه يتلألأ في الإنترنت - وهي الطريقة التي تعرفنا بها عليه - كونه الوحيد في العالم بهذا التخصص».
توقفت طويلا أمام خصلة التواضع هذه واذا كان البعض ينظر الى الصيام على أنه مناسبة لتخفيف الوزن (...) فهي فرصة ثمينة لكثيرين يعانون من تورم الذات، يرى بعضهم أنه ينتمي الى درجة من «الفهامية» يتعالى بها على عباد الله، فإذا مارس الصوم قلبا وقالبا فإنه سيألف الصلاة بين العمال والبسطاء في منطقته السكنية أو في سوق الخضار أو في مسجد منطقة صناعية، وإذا أراد أن يكثف علاج ذلك الانتفاخ وينجح في «تنفيسه» بطريقة غير تقليدية، بأن يشارك في توزيع وجبات الإفطار في المناطق الصناعية أو في الميناء وربما في مزارع الوفرة أو في الأسواق، انه عندئذ سيمارس علاجا نفسيا للذات، بخدمته الناس طلبا للأجر والثواب، وقد فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب وقد اعتلى المنبر بعد الصلاة، وأنشأ يقول: «يا بن الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ذليلا فأعزك الله، وكنت ضالا فهداك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فماذا أنت قائل لربك غدا إذا سألك عنهم يا عمر؟» فلما نزل عن المنبر، سألوه، لم فعل هذا؟ قال «قد رأيت في نفسي زهوا، فأردت أن أريها مكانها».
إنها أيام معالجة للذات التي اذا اتجهت نحو العبادة أو قراءة القرآن جاءتها خواطر من كل اتجاه «العمل الفلاني ينتظرك».. «الموعد الفلاني فيه أجر وثواب ايضا»..الخ، لا تتركك تلك الخواطر الى أن ترفع أمامها يافطة (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه) فتخنع تلك الهواجس دفعة واحدة، لقد بدأ شهر رمضان، وكما يحدث في كل عام سينتهي بسرعة وتنقضي أيامه وتذهب لياليه والسعيد هو من غنم كل دقيقة وثانية في هذه الأيام، الذي يبحث عن مواطن الأجر في النهار ويجتهد في قيام الليل، أوله أم آخره، لأنه سمع دعاء المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) «اللهم ردنا اليك ردا جميلا» فلا ينتظر وفاة مدوية توقظه من غفلته ولا كارثة أليمة تهزه من أعماقه، بل يعود الى بارئه مسارعا الى الخيرات، شوقا الى رب السموات الذي يقول (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
اللهم أعنا على اغتنام كل لحظة في هذه الأيام الثمينة، وافتح لنا أبواب الأجر وأعنا على أن نغنم منها ولا نفرط فيها، فلك الحمد رب السموات، ملك السموات اله السموات والأرضين والخلق أجمعين.
كلمة أخيرة
المصاب الجلل لأسرة الساير وأقاربهم بالحادث الأليم خفف منه اهتمام صاحب السمو الأمير، يحفظه الله وتوجيهاته بالنقل الجوي للضحايا والمصابين، كما خفف منه تلك الجموع الغفيرة التي تقاطرت للصلاة وتشييع الجنازة، نسأل الله ألا يريكم جميعا مكروها في عزيز لديكم.