فيصل الزامل
كان سرور الأغنياء كبيرا عندما سمعوا أن من فطر صائما فله مثل أجره، أما الفقراء فقد اكتفوا بالنظر اليهم - حتى في هذه الأيام - أناس في بلاد في أقصى الشرق أو الجنوب الفقير من المسلمين يشاهدون الموسرين وهم يؤدون العمرة والحج مرات عديدة بينما لا يملك الفقراء قوت يومهم، وأكثر ما يقدرون عليه من الطاعات هو الصوم فهو لا يكلف شيئا والصلاة التي تواسي نقص ذات اليد.
عندما ارتعد رجل في مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لرؤية الرجل (محمد) الذي سمع به كثيرا قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة» طعام فقراء مكة، اللحم القديم المجفف، وعندما سمع من يعلق على أجر من فطر صائما «ليس كلنا يجد ما يفطر به صائما» فالطعام شحيح في تلك البيوت، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يعطي هذا الأجر لمن فطر صائما بجرعة ماء أو بتمرة أو بمذقة لبن»، ويستطيع كل الناس أن يؤدوا العمرة أينما كان مكانهم في هذا الكون الفسيح «من صلى الفجر وجلس في مكانه حتى تطلع الشمس كان له أجر عمرة تامة تامة» كرر الكلمة حتى تثبت في أذهان من لا يرى مقارنة بين مجهود السفر وجلسة ما بعد الفجر، هذا الحديث الشريف كلنا سمعه والنادر منا من يقوم بتلك العمرة السهلة ماديا، وهي علامة أخرى على أن الفرصة متاحة لفئة واحدة فقط، هم أهل العزمات وأصحاب الهمم العالية.
عندما سمع هرقل من وصف له النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «وأكثر من تبعه هم الفقراء» قال «وكذلك الأنبياء من قبله» وعندما جلس عبد الله بن ام مكتوم الى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مكة بينما هو يحادث أحد كبراء قريش ويعرض عليه الاسلام، قال بن ام مكتوم «أرشدني» فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأقبل على القرشي، فنزلت سورة تقرأ الى يوم القيامة تنتصر للفقراء (عبس وتولى..) قال ( صلى الله عليه وسلم ) «أدبني ربي فأحسن تأديبي».
الأغنياء لهم مكانهم في دين الله إذا ما قاموا بحق المال وهو أمر بالغ الصعوبة، كيف يستطيع المرء التنازل عن أموال اغتصبها منذ سنوات طويلة والعودة الى عشر ما يملك اليوم؟ وكيف يعيد الى من قهره بسلطان المال سمعته ويرمم التقطيع الذي مزق قلبه؟ وهل يستطيع أي من هؤلاء أن يوصي بمائة مليار دولار؟ كما فعل بيل غيتس الذي اشترط أن يتم انفاقها بالكامل على الفقراء خلال خمسين عاما خشية أن تتسرب الى مشاريع أخرى حتى لو كانت خيرية، فهو منحاز بالكلية الى الفقراء.
لقد أذهلني «من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له» انه لم يصل طوال النهار ولم يكن صائما، كان نجارا أو حدادا، وصل الى بيته منهك القوى «.. أمسى مغفورا له».
كلمة أخيرة:
حدثتني جدتي لأبي، يرحمها الله: «هذا واحد فقير شاف واحدن أفقر منه وما معه الا قرص خبز عطى الفقير نص القرص، قام نبي الله دعا له بالجنة، شافه واحدن غني قال هذا والله الزين، طلع خمسين قرص خبز قسمها على المساكين، لكن النبي ما دعا له بالجنة، قال له «يا نبي الله هذا طلع نص قرص دعيت له بالجنة، وأنا طلعت خمسين قرص، ورا ما دعيت لي بالجنة؟» قال له النبي «هذا طلع نص ما يملك وانت طلعت قليلن من كثير».
وافقت روايتها، يرحمها الله، الحديث الشريف، حينما سأل رجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) «أي الصدقة خير؟» قال «أن تصدق وأنت شحيح، صحيح، تخشى الفقر، وترجو الغنى، لا إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان» يعني تقسيم التركة.