فيصل الزامل
أزمة سوق الأوراق المالية محليا وخليجيا ليست بعيدة عن الأزمة العالمية التي ابتدأت منذ عام تقريبا مع مشكلة الرهونات في السوق الأميركي، يوم الاثنين الماضي ازدادت الأزمة حدة حينما دخلت بنوك الاستثمار الي الأزمة يتقدمها «ليمان براذرز» مع فارق هام عن أزمة الرهونات يتمثل في حجم النمو الهائل الذي اختارته بنوك الاستثمار والذي بلغ ما يعادل ضعف رأس المال بمائة مرة، في حين لم يتجاوز معدل نمو البنوك التقليدية التي تستند الى قاعدة الودائع عشرة أضعاف رأس المال، وهو أيضا معدل مرتفع في هذه الصناعة، ما يجعل بنوك الاستثمار التي تعتمد بشكل رئيسي على الاقتراض أكثر من متهورة وقد سحبت وراءها الاقتصادين الأميركي والعالمي الى هاوية سحيقة قد لا يجدي معها ضخ 70 مليارا ولا حتى خفض أسعار الفائدة بنصف في المائة.
هذه المسألة تذكرنا بتوجهات بنك الكويت المركزي بشأن الحد من نمو الائتمان وهو أمر عارضه كثيرون، الأمر الذي يذكرنا بالقول المأثور «قليل مستمر، خير من كثير منقطع» وقد سألت المذيعة في محطة أميركية أحد كبار المصرفيين في الولايات المتحدة «أنتم من نعتبركم العقول الكبيرة، كيف حدث هذا الانهيار في فنائكم الخلفي؟» فأجاب قائلا «انه الاندفاع وراء المنافسة والرغبة في نمو الأرباح بقوة، وإن شئت أن تسميه الطمع فهو كذلك» وقد نجد شيئا أكبر مما قاله لو توغلنا في التفاصيل، فيما يتعلق بالشفافية، ويطرح هنا تساؤل عن حجم الهاوية التي ينزلق إليها الاقتصاد الأميركي بشكل يومي وهل هي بنفس السوء الذي حدث عام 1929؟! في تصوري أن العالم اليوم يدرك ان انهيار الاقتصاد الأميركي يعني انهيار النظام العالمي وربما العودة الى نظام الذهب والتداول العيني بدلا من النقد، ما يجعل اخراج أميركا من أزمتها قضية دولية تسهم فيها أوروبا واليابان بنصيب كبير، من جانب آخر فإن الأنظمة المالية والرقابية في الولايات المتحدة اليوم ليست كما كان عليه الحال في 1929، ما يمنحها فرصة كبيرة لتحاشي تكرار أخطاء الماضي، بل حتى أخطاء الأزمات القريبة في التسعينيات سواء في الولايات المتحدة أو في أزمة الاقتصاد الياباني، في طريقة تعويم البنوك وادارة السياسة النقدية.
منطقة الخليج اتجهت بقوة منذ عشر سنوات نحو الاستثمار الداخلي، ما قلص بشكل كبير ارتباطها بالسوق المصرفي العالمي وبالرغم من الآثار المحتملة على عدد من البنوك والصناديق السيادية الخليجية إلا أن زيادة الاعتماد على العائد «الاقتصادي» مقارنة بالعائد المالي - الاستثمارات المالية في السوق الدولي - لايرادات النفط ربما منح الخليج فرصة أفضل للتعايش مع الأزمة العالمية.
لقد دعا «أوباما» في حملته الانتخابية الى مراجعة واصلاح اللوائح المالية التي تعمل بها أسواق المال بعد اندلاع أزمة الرهونات، وخص بالذكر مسألة الشفافية وضرورة تحمل المسؤولية عن القرارات الخاطئة، الأمر الذي يستدعي إزالة طبقة من المديرين في العديد من الأسواق وليست الولايات المتحدة وحدها، فلدينا نوعية لا تستطيع التفكير خارج الفقاعة، وهي التي أدخلتنا في مشكلة دوت كوم ثم الرهونات الأميركية وبنوك الاستثمار الأميركية.
كلمة أخيرة:
سئل الشيخ زايد يرحمه الله عن سبب توجهه القوي نحو الانفاق على مشاريع البنية التحتية في دولة الإمارات، فقال «.. أحسن من ان نتركها للأجانب يأخذونها منا في تقلبات أسواقهم اللي يرتبونها بأنفسهم، شعبنا أولى منهم بهذه الأموال».