فيصل الزامل
زحمة الحياة تولد ضغوطا جاء معها مفهوم الاجازة بغرض الابتعاد عن الضغوط وتجديد النشاط، هذه حاجة بشرية نبه اليها عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) بقوله «خذوا بحظكم من العزلة» والتي قد تكون مع الأسرة الصغيرة في اجازة، أو مع النفس في اعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، أو في أي صورة أخرى تحقق للانسان الخروج من دوامة الروتين اليومي كي يتأمل في شؤونه، سواء الدنيوية أو الدينية .
الشركات الناجحة تلجأ الى شيء من هذا القبيل لرسم استراتيجياتها بعيدا عن المكاتب في خلوة تختار لها فندقا بعيدا يجتمع فيه المديرون وينظرون الى مسيرة الشركة أو البنك من خارج المبنى بعيدا عن رنين الهواتف وجداول المواعيد، مثل هذه الاجتماعات التي يتم الإعداد لها بشكل جيد تؤثر في مصير الشركات وربما كانت سببا لإنقاذها من كارثة لا ينتبه اليها من تشوش ذهنه بسبب ضغوط العمل، المهم هو الإعداد الجيد حتى لا يتحول الموضوع الى رحلة سياحية فقط لا غير .
العلاقة بين الزوجين هي الأخرى بحاجة الى خلوة، أو ابتعاد بسيط يعودان بعده أكثر ودادا وحنانا، وتكون معيشتهما أكثر سهولة ومسيرتهما على هدى طوال الأيام والليالي، وان لم يفعلا ذلك فإن رتابة الأيام كفيلة بافتعال قصص اختلاف لا أساس لها سوى رتابة الحياة، واذا كانت الطبيعة قد فرضت فترة شهرية على المرأة فإن استكمال ذلك ببرنامج «أنا وهي، وبس» هو من أسباب حماية سور البيت من أن يتصدع، ويحقق الحماية القصوى لساكنيه من أبناء وبنات مصيرهم معلق بعد رحمة الله بالعلاقة الصحية بين الأبوين.
والعزلة التي نتحدث عنها لا تكون مفيدة اذا كانت دائمة مستمرة، ولكن ساعة وساعة، ففي الساعة الأولى يستقبل المرء القضايا والمسائل من الناس فاذا اعتزلهم نظر فيها من موقع الهدوء لا تحت تأثير الضغوط، وأما الذي يعتزل على الدوام فما القضايا التي سينظر فيها ويتأمل؟ ويعجبني كثيرا من يطلب مهلة للتفكير في الرد على قضية عرضت عليه - ما لم تكن مسألة لا تحتمل التأخير فعلا - فإن الرد الفوري تحت ضغط الطرف الآخر لا يخلو من عثرات، ولهذا يلجأ بعض البائعين المتجولين لأجهزة تنظيف مثلا، أو حتى في مجالات أكبر كالعقار الى عدم اتاحة الفرصة للعميل كي يخلو بنفسه «قرارك غدا متأخر، هناك ثلاثة أشخاص طلبوا شراء الأرض، وانت كيفك» وهو أمر نادرا ما يكون صحيحا، ففي كثير من الأحيان يكون من قبيل الضغط، ويحدث أن يرفض المرء الشراء، ثم لا يكون ذلك البيع الذي تحدث عنه البائع، أو السمسار!
ويتكرر الأمر في مجال ابرام العقود، حيث يؤدي التسرع الى التزامات لم ينتبه اليها من وقع عليها ولا يسمع بعد ذلك الا كلمة «انت وافقت، والتزمت» ولهذا قالت العرب «اياكم والرأي الفطير - المتعجل - دعوا الرأي يغب»، والتفكير هنا ليس بالضرورة لعدد من الأيام، فقد تتمكن من اتمام مشاوراتك عبر الهاتف أو بزيارة لصاحب خبرة أو خبر، ولا تمر ساعات الا وقد تبلور لديك رأي ناضج، أفضل بكثير مما كنت ستقوله على الفور .
مفهوم العزلة متعدد التطبيقات وهو يختلف عن المعنى الشائع عن الاعتزال الانسحابي، واذا كنا نسمع عن تأثير الضغوط على صحة الانسان فإن العزلة بالصورة آنفة الذكر تكون وسيلة وقائية تحتاج اليها أبداننا ونفوسنا، فلنأخذ بحظنا منها بين الحين والآخر.
كلمة أخيرة:
قال أبو الدرداء: «تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام».