فيصل الزامل
أدى اختراع «آركرايت» آلة صناعة النسيج في بريطانيا عام 1750 الى ارتفاع حجم انتاج المنسوجات بشكل هائل ما شجع المستوطنين الأوائل في أميركا على زراعة القطن فازدهرت تجارة نقل الأقطان عبر المحيط الى بريطانيا، وتسببت زيادة الحاجة الى الأيدى العاملة في أميركا لجني القطن في فتح باب نقل العبيد من أفريقيا الى البلاد الجديدة على مصراعيه، هذا الأمر لم يرق لقادة من أمثال «ابراهام لنكولن» رئيس الحكومة الفيدرالية فنشبت الحرب بين الشمال و11 ولاية جنوبية كانت تعتمد على العبيد كعمالة رخيصة لادارة مزارعها الشاسعة، استمرت تلك الحرب في الفترة من 1861 الى 1865 ما أدى الى توقف تجارة القطن مع بريطانيا التي اتجهت صوب مصر لجودة نوعية القطن المصري، وشجعت رجال الأعمال المصريين على زيادة المساحات الزراعية، وتم ادخال الآلات الزراعية وانفاق أموال طائلة لم تتردد البنوك البريطانية في اقراضها للمصريين، عندما انتهت الحرب في أميركا وعادت تجارة القطن الأميركي الى سابق عهدها انخفضت أسعار القطن التي كانت باهظة في ظروف الحرب، وبالنظر الى أن القروض الممنوحة للمصريين قد ترتبت في ضوء أسعار مرتفعة جدا فقد أدى الانخفاض الكبير الى عجز المقترضين عن السداد بشكل جماعي، ما دعا بريطانيا لاعتبار ذلك العجز مبررا لاحتلال مصر والسيطرة على قناة السويس - رغم ملكية الفرنسيين لغالبية أسهم الشركة التي تدير القناة - واستخدام دخلها كوسيلة للوفاء بقيمة تلك القروض.
اللافت للنظر أن الملايين التى هاجرت الى أميركا قد جاءت برغبتها سعيا وراء حياة أفضل، أما الأفارقة فقد نقلوا قسرا الى حياة العبودية ومن حاول منهم الفرار قتل أثناء الرحلة البحرية وألقي ليكون طعاما للأسماك، أو مات في ظروف العمل السيئة التي تعامل فيها المزارعون مع هؤلاء الناس كملكيات خاصة لا حقوق لها سوى انجاب المزيد من العبيد، وقد أدى اختيار و«انتقاء» تجار العبيد للأفارقة من أصحاب البنية الجسدية القوية وتركيز أصحاب المزارع على المهرة منهم الى ظهور أجيال من الأميركان السود أقوياء البدن مثلما نرى في المجال الرياضي، أو الفني الذي نجحوا في اختراقه بتطوير الأغنية الأميركية فكسبوا عواطف الشارع الأميركي، ثم جاءت مرحلة ارتقاء سلم التعليم فأصبح منهم قضاة في المحكمة الفيدرالية وحكام ولايات ورجال أعمال بارزون، وأخيرا «رئيس الولايات المتحدة» في حال نجاح أوباما.
نختم هذه الجولة في التاريخ الاقتصادي بتسليط الضوء على سبب الكساد الكبير عام 1929 والذي سبقته فترة رواج ضخمة وتوسع في اقراض البنوك للمزارعين - مرة أخرى - وعندما أصيبت الزراعة بثلاثة مواسم سيئة وفشل المزارعون في سداد تلك القروض عجزت عشرات البنوك عن رد الودائع الى الناس وبالتالي أعلنت افلاسها، ما سحب وراءه سائر الشركات المسجلة في البورصة، وفقدان 30 مليون أميركي لوظائفهم فانتشرت البطالة والمجاعة في طول وعرض البلاد.
لقد كان بالإمكان تقليل حجم الخسارة لو تم بناء العلاقة بين المودع والبنك على أساس المشاركة في الربح والخسارة وبالتالي استمرار البنك في العمل لسنوات اضافية بغير توزيع أرباح حتى يجتاز مرحلة الخسارة، بدلا من اعلان افلاسه وجر اقتصاد بأكمله وراء قراراته الخاطئة التي لا تكترث بجودة القروض في ظل وجود ضمانات لا تلبث أن تتلاشى في ظروف الانهيار الاقتصادي الكبير، كما يحدث هذه الأيام.
كلمة أخيرة:
لم يطرد هتلر اليهود لسبب ديني أو عرقي - اللاسامية - كما يشيع اليهود، ولكنها السمعة التاريخية لهم في استخدام القروض للسيطرة على الناس، البنوك الألمانية اليوم تجمع بين المودع والمقترض الذي غالبا ما يكون نفس الجهة وبالأخص من قطاع الأعمال، ما يجعل الطرفين معنيين بسلامة البنك، وهو النموذج الذي يحتاج الى نشره في أركان النظام المصرفي الغربي.