فيصل الزامل
لماذا يدعم مرشحا الرئاسة الأميركية خطة الرئيس الأميركي بوش لمعالجة الأزمة؟ أليست السياسة لعبة قذرة كما يقول بعضنا، وهذه فرصة الديمقراطيين لكيل الاتهامات للحزب الجمهوري الحاكم؟ لماذا لم يشن أوباما هجوما كاسحا على الجمهوريين بقوله «بدأتم الحكم بهزيمة عسكرية في عقر دارنا، وتختمون عهدكم بكارثة اقتصادية يمكن أن تجعل من كساد 1929 مجرد مزحة أمام ما فعلتموه باقتصادنا» لماذا لم تصدر هذه الأقوال هناك مثلما يمكن أن يحدث في بلاد أخرى؟ وعندما قال ماكين «علينا أن نواجه المشكلة كأميركيين، لا كجمهوريين أو ديموقراطيين» لم يزايد عليه أوباما قائلا «أنتم من أوصلتم البلاد الى هذه المرحلة، عليكم أن تتركوا البيت الأبيض حالا» بل أصدر الرجلان بيانا مشتركا يدعم خطة الإنقاذ، الأمر الذي يخلي مسؤوليتهما من النقاش الدائر حول سلامة الخطة والثغرات فيها، وأي رأي فني يطرح فهو محل ترحيب بعيدا عن التجاذب السياسي.
الآراء «الفنية» تدور حول من يستحق الدعم هل هي البنوك التي تحتضن ودائع الناس أم شركات الاستثمار التي بالغت في الاقتراض وتسببت في الأزمة؟ وهل يجوز لمديري تلك المؤسسات أن يستمروا في الحصول على رواتبهم الباهظة وقد تسببوا في أقسى أزمة يتعرض لها الاقتصاد الأميركي ومن ورائه العالمي؟ وهل هذه الأموال - 700 مليار - هي لبناء الثقة وطمأنة الأسواق أم لاقراض المتعثرين وترميم ميزانياتهم المخروقة بالديون المسمومة، كما أسماها المعلقون، والتي نشأت من بيع ديون هشة بأرباح باهظة؟ وهل تدل البيانات المالية للمؤسسات المستفيدة على أنها قادرة على النهوض من جديد أم أنها ميئوس منها ماليا واداريا؟
لقد تصرف السياسيون بمسؤولية كبيرة في هذه الأزمة الى الحد الذي فاق فيه دعم الديموقراطيين للخطة أعضاء الحزب الجمهوري الحاكم -134 جمهوريا معارضا، 94 ديموقراطيا معارضا - وفي جانب التأييد 140 ديموقراطيا مؤيدا، 65 جمهوريا مؤيدا، ولا يمكن توجيه اللوم الى المعارضين بشكل مطلق، ذلك أن تقديم خطة متعجلة لا يحقق الأمان من المزيد من العثرات، الأمر الذي جعل مراجعة الخطة هو التصرف الصحيح حتى تتحقق الأولويات بشكل متوازن، فمثلا هناك شركة aig التي تقدم للبنوك التأمين على الودائع ولو لم تعلن الحكومة دعمها لها لانهارت بنوك ذات ميزانيات سليمة ولا تتحمل مسؤولية انهيار شركة التأمين واضاعة أموال دافعي الضرائب من المودعين، الشيء نفسه يقال عن اصدار سندات في الصيف الماضي مدعومة بالرهن العقاري بمليارات الدولارات وهذا لا يمثل بيع ديون، كونه محملا بأصول لا تلبث أن تسترد عافيتها كون أسعارها الحالية هي أسعار انهيار لا تعكس حتى تكلفة بناء تلك البيوت، وهو الأمر الذي حاولت شركة ليمان براذرز القيام به بمبلغ 70 مليارا وفشلت بسبب ميزايتها المحملة بقروض تعادل مائة ضعف رأسمالها، ما أدى الى امتناع السوق عن اقراضها، الأمر الذي يجعل دخول وزارة الخزانة للقيام بنفس الخطوة هو اجراء سليما في جوهره، تطلب من الدولة تأميم أكبر مؤسستين متخصصتين في هذا المجال «فاني ماي» و«فريدي ماك».
في هذا الوقت تبرز أهمية الحركة المتناسقة بيت السياسة النقدية والمالية بشكل متكامل، ويتحمل الشق الثاني السياسيون بشكل رئيسي، الأمر الذي يجب أن ينتبه له صانعو القرار عندنا في الكويت، حيث لاتزال المسافة كبيرة جدا بين المسارين ما جعل معدل التضخم يتجاوز 11% رغم كل جهود السياسة النقدية، في حين أدى التعاون في أوروبا الى خفض هذا المعدل الى 2%.
كلمة أخيرة:
أراد «قطز» أن يفرض ضرائب جديدة على الناس لتمويل الجيش الذي يواجه به المغول، فقال له العز بن عبدالسلام «ليس قبل أن يدفع أمراء المماليك ما في خزائنهم من كنوز، بعد ذلك خذ من الناس» وهكذا كان، فانتصر في عين جالوت، وهزمت جيوش جنكيز خان لأول مرة في تاريخها.