فيصل الزامل
عندما يصل الضابط في الجيش او الداخلية الى رتبة مقدم او عقيد تكون الدولة قد انفقت عليه مئات الالوف من الدنانير، سواء اثناء دراسته في الكلية او عمله لسنوات نال فيها خبرة متميزة وشارك خلالها في مناورات ودورات تدريبية، وربما تم ابتعاثه الى دورة اركان وغيرها من المستويات التخصصية، فاذا بلغ ذروة العطاء وبلغ مستوى جيدا من النضج يفاجأ بأن الدولة تنفق على التخلص منه مائة الف دينار لتشجيعه على التقاعد المبكر رغم انه في سن الشباب مقارنة بدول العالم - التقاعد دوليا في سن 60 سنة - ويبررون ذلك بعبارة غامضة ربما لا يدري قائلها انه قالها بسبب تكرارها «حتى نفتح الباب للدماء الجديدة»، هكذا بكل بلاهة، وكأن جهود عشرين عاما من الاعداد قد تم انفاقها على دماء فاسدة!
الشيء نفسه يحدث في مجالات اخرى، ما جعل الكويت تتصدر العالم في معدلات التقاعد بين السكان الذين لا يجد اكثرهم حافزا لمواصلة العطاء بسبب الجو العام الداعي الى الكسل، دواوين صباحية وزيارة الاصدقاء في مزارع كبد وغيرها خلال ايام الاسبوع، يتحدثون هناك عن زميلهم الصامد في موقع العمل حيث تلاحقه اسئلة نيابية من فلان، الذي رفض ان يرقي شخصا قبل ثلاثة اشخاص يفوقونه خبرة ودراية، فاذا بالسؤال «ما المؤهلات التي يحملها فلان والتي بموجبها تم تعيينه بالمنصب الفلاني؟»، والمقصود هو ذلك المسؤول الصامد، الذي يتضاحك منه اصدقاؤه وهم في المزرعة، حيث لا يحملون هموم وقضايا الوطن مثل حماية منافذ الوطن من تجار السموم، ولا تشغل بالهم معاناة الاسر من ارتفاع الاسعار الذي يكافح شباب - في مواقع المسؤولية - لتخفيف آثاره على الاسرة بمختلف الوسائل، واذا ما ترك هذا وذاك موقعيهما فمن هو المتضرر؟
لماذا لا يقدر بعضنا صمود وكفاح من يعاني للصالح العام؟! اعجبني الاخ العزيز يوسف الدعيج بقوله «عندما اقف عند نقطة تفتيش اقول لرجل الامن جزاك الله خيرا وكثر الله من امثالك، ولا يعجبني انزعاج البعض اذا طلب رجل الامن منه ابراز الهوية، فهو يقف في الشمس عدة ساعات وانت تمر بسيارتك المكيفة في اقل من نصف دقيقة، مع ذلك تستكثر عليه كلمة جميلة؟»، هذا رأي سديد يجب ان يمتد الى كل شخص مخلص يواجه مصاعب، سواء نتيجة ظروف العمل او الاوضاع المعروفة في توظيف الادوات الدستورية لمخالفة القوانين مثل توجيه اسئلة وتهديدات ظالمة، فلا اقل من ان يسمع الصامدون ما يشجعهم على تحمل جميع هذه الضغوط، بدلا من دفعهم للانضمام الى قطار المتقاعدين الذي يوشك ان يفرغ الدولة من خيرة الطاقات المنتجة فيها.
كلمة أخيرة:
ابشع كلمة تلك التي تقال لشخص تحمل مسؤولية يخدم فيها بلده، عندما يتلقى اتهاما ظالما فيقول له بعضنا إما في وجهه او في الدواوين «خله يتحمل، ليش قبل المسؤولية؟!»، بمعنى «قبول المسؤولية هو خطأ لأننا في بلد لا كرامة فيه لمن يتحمل عبء ادارة شؤون المعيشة بيسر وسهولة للناس»، شيء عجيب!