فيصل الزامل
بعد غد ينتخب الشعب الأميركي رئيسا جديدا، وربما ادارة جديدة لبلد لايزال يمثل القوة الرئيسية في العالم رغم المتغيرات، وقد رأينا كيف أثر وصول الرئيس الحالي «بوش» الى البيت الأبيض في أسلوب التعامل مع الملف العراقي، ومن الخطأ القول بأن نوعية الرئيس الأميركي لن تغير شيئا في ادارة البيت الأبيض، الأمر الذي يعني أن رئيسا شابا مثل «أوباما» يحمل شعار التغيير ويملك رؤية وطاقة كبيرة على العمل أقدر على تحقيق تأثير فعلي في ادارة البلاد من شخص مسن مثل «ماكين» الذي تلاحقه الأمراض وتدعمه سيدة ثرثارة، فقد افتقد البيت الأبيض لفترة طويلة رئيسا حكيما ما جعل الدولة الحامية للرأسمالية أكبر خطر عليها، وتقدم نموذجا غريبا للديموقراطية في العراق يقوم على تقنين الفوضى !
العالم يريد من الناخب الأميركي أن يعيد أميركا الى مكانتها وهو بحاجة الى قيادة قوية في ظل نزعة افتراس شعوب لشعوب أخرى - رواندا ودارفور - وابتلاع دول لدول أخرى كما في البلقان والكويت، ومجاعات طاحنة تهدد الملايين، ولا ريب أن للولايات المتحدة دورا كبيرا مهما حدث لها من تراجع وترهل وتقصير ليس في الملف البيئي والاقتصادي فقط بل في سائر الملفات العلمية والسلوكية، الأمر الذي يجعل من تجديد شباب هذه الدولة مسألة عالمية فعلا، فالرئاسة الجديدة في حال فوز «اوباما» هي تعبير عن تركيبة سكانية عالمية لما يمثله من خلفية متعددة تلقاها العالم بالترحاب عبر فوزه باستقصاءات أجريت في مناطق كثيرة من العالم، ما يؤهله لحشد الأسرة الدولية في أكثر من ملف بشكل متناسق يقوم على قوة أميركا جنبا الى جنب مع قناعة العالم بما تفعله، ومن باب أولى أن يحدث الشيء نفسه داخل الولايات المتحدة، حيث تتأثر الإدارة - في أي دولة - بحيوية القائد الرمز، وتنتقل منه صفات الحكمة الى مستويات الإدارة المختلفة، وقد رأينا كيف فشلت الإدارة الأميركية في معالجة مسائل كانت قادرة على علاجها مثل آثار اعصار «كاترينا» حينما ترك عشرات الآلاف بلا علاج بينما ترسو بقربهم أكبر سفينة مستشفى في العالم تضم 300 سرير، وتسبب الترهل الاداري في هز صورة الولايات المتحدة التي قادت في السابق تحركا دوليا ناجحا لمواجهة آثار اعصار «تسونامي» في اندونيسيا ولكنها فشلت في أداء نصف تلك المهمة على أراضيها.
يقولون في أميركا «ماذا سيحدث لو رحل الكاثوليك عنها؟ » في اشارة الى أن معظم الأعمال الخيرية هناك تديرها مؤسسات كاثوليكية، وهو أمر يستحق الفخر مثلما نفخر نحن بالعمل الخيري لما له من آثار إنسانية لا تقبل الجدل، وبالقياس نتساءل «ماذا سيحدث للعالم لو رحلت الولايات المتحدة عن الساحة الدولية، ورجعت الى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى، وانزوت ؟».
نعم، الانتخابات الاميركية هي شأن دولي مهما قيل في هذا الموضوع، وبالنسبة لنا في الشرق الأوسط فاننا لا نتوقع حلولا سحرية بالنظر الى أن المسار العام لسياسة واشنطن لن يتغير كما هو معلوم، ولكننا نأمل في ممارسة رشيدة تكف معها أميركا عن تحقيق انتصارات ثم التفريط فيها كما حدث في العراق، أو الاعلان عن موقف قوي ضد اقامة مستوطنات جديدة ثم لا شيء في مواجهة جرافات تهيل البيوت على الأطفال على مرأى من العالم كله، اننا نأمل أن تبدأ مسيرة جديدة ولا نتوقع معجزات، فقط طبقوا ما أعلنتم عنه، وحافظوا على ما أنجزتموه !
كلمة أخيرة:
كان المسلمون المهاجرون الى الحبشة في قلق من أمرهم حينما خاض النجاشي حربا مع أعداء له، وأرادوا أن يستطلعوا الخبر، فذهب الزبير بن العوام وعبر النهر بعد أن نفخ قربة كبيرة بالهواء وتعلق بها، وتسقط الأنباء ثم عاد الى الناس بالبشارة «لقد نصر الله النجاشي».