فيصل الزامل
القول إن الاكتشاف المبكر لأزمة البنوك الاستثمارية الأميركية أمر صعب هو تهرب من المسؤولية يقع على كاهل «وكالات التصنيف الائتماني» التي طالما اعتبرت كشف التركز الائتماني أولوية مطلقة في قياس الانكشاف لأي مؤسسة مالية، من هنا أعتقد أنه آن الأوان لمراجعة أداء وكالات التصنيف التي طالما اعتبرناها المرجع الأبرز في الصناعة المصرفية لتقييم ملاءة أي بنك، صحيح أنها ليست مؤسسات رقابية رسمية أو حكومية الا أن هذه الاستقلالية بالذات هي السبب الأهم في قبولها كمرجعية، فلماذا عجزت عن كشف عوامل ضعف خطيرة في «ليمان براذرز» وغيره؟
وهل «المشتقات» هي أمر مفاجئ هبط على كوكب الأرض فجأة أم أن أصوات المختصين بُحت في التحذير منها على مدى سنوات، ولماذا لم تعلق وكالات التصنيف الجرس، وتعتبر المتعاملين بها في خانة الانكشاف المالي؟
الكل يعلم أن المشتقات هي سلسلة عقود ونقل التزامات مالية تحقق غرضين خطيرين:
«الأول » اخفاء الحالة الفعلية للمقترض الأول.
«الثاني» تسجيل عمولات باهظة.
(ملاحظة: تقوم المشتقات المالية على نقل التزامات مالية هي في الأغلب متعثرة - بيع ديون - من خلال ابتكار سلسلة عقود متشابكة ولكنها لا تمثل اقتصادا حقيقيا (ريال ايكونومي)، وقد اندفع اليها مديرو بنوك الاستثمار بهدف تسجيل أرباح عالية يحصلون معها على مكافآت كبيرة بغير أساس حقيقي) .
لقد كشفت أزمة شركة «انرون» أداء الشركة العالمية «آرثر آندرسون» للتدقيق التي اختفت نهائيا من الصناعة، وتغير بسببها عدد من قواعد التدقيق المالي مثل معيار 39 في أسلوب تقييم الاستثمار (أصبحت الاستثمارات إما بغرض المتاجرة أو يحتفظ بها الى تاريخ الاستحقاق، بدلا من مجرد طويلة وقصيرة الأجل) وليس عدلا أن تمر أزمة اقتصاد أميركا بأكمله ومن ورائه اقتصاد العالم بغير وقفة جادة من وكالات «التصنيف الائتماني» التي فشلت في امتحان عنوانه الرئيسي «أزمة الائتمان » وانهارت مؤسسات ضخمة تمنحها تلك المؤسسات تصنيف aaa، ولو حدث هذا مع جامعة منحت طلابا شهادات بدرجات علمية رفيعة ثم رسبوا في أبسط اختبار لمعادلة تلك الشهادات لوقع اللوم على من منحهم تلك الدرجات!
من حيث المبدأ، نحن بحاجة الى وكالات التصنيف كونها جهات محايدة، مثلما نحتاج الى شركات التدقيق الخارجي للمصارف والمؤسسات المالية غير أن ذلك لا يعني أنها فوق المساءلة اذا أخفقت في المهمة التي تصدت لها وحصلت بموجبها على الثقة المهنية، فهذه المؤسسات تتولى حماية المستثمر في أسواق غربية كثيرة لا يشتري فيها الناس السهم إلا بعد الاطلاع على تقرير التصنيف، أذكر أنني كنت أقرأه يدويا في 1977 - 1978 في فترة تدريب قضيتها في بنك «ولس فارغو - نيويورك»، ومنها يعرف الناس أن الشركة الفلانية قد اشترت فندقا واستقطبت مديرا وباعت حصة في شركة أو تواجه دينا متعثرا لأخرى..الخ، هذه المعلومات متاحة اليوم على موقع الكتروني يحقق المعرفة للجميع ويزيد من فرص الشفافية، فهي أداة مهمة جدا الأمر الذي يزيد من مسؤوليات تلك الوكالات ويجعلنا نطالبها بتوجيه جزء كبير من نصائحها التي تقدمها لبنوك الدول النامية الى الداخل الأميركي كون هذا السوق شأنا ماليا عالميا وما ينطبق علينا يجب أن ينطبق عليه، ربما بشكل مضاعف لأنه يشكل منطلقا للكثير من الممارسات المالية والمصرفية، سواء كانت صحيحة أو فاسدة .
كلمة أخيرة:
قام «بيت التمويل الكويتي» ببيع استثمارات عقارية مهمة في السوق الأميركي قبل الأزمة بشهرين فقط، ما انعكس إيجابا على ربحيته حسب تقرير الربع الثالث، وهي خطوة تبين توفيق الله عز وجل، ثم حصافة الإدارة في حفظ أموال المودعين والمساهمين، شكرا كبيرة لرئيس مجلس الإدارة الأخ العزيز بدر المخيزيم وسائر العاملين في هذه المؤسسة «المفخرة».