فيصل الزامل
قبل الحديث عن «قانون الاحزاب»، لا بد من قراءة تجارب الدول الاخرى - غير العربية - حيث اظهرت دراسة في اسرائيل، اشرفت عليها منظمة «شفافية دولية» التي تتخذ من كلية الادارة في جامعة تل ابيب مقرا اقليميا لها، ان المواطنين الاسرائيليين لا يعتقدون ان ابرز اسباب الفساد هي الفقر او التضخم وارتفاع الاسعار، ولا حتى الارهاب، بل ان السبب الرئيسي للفساد هو «الاحزاب السياسية» التي جعلت اسرائيل تأتي بمستوى الاكوادور في مؤشرات منظمة الفساد الدولية، وقد بينت تلك الدراسة ان قانون محاسبة الاحزاب عن مصادر الاموال لم يكشف الا حالات محدودة، مثل ثلاثة ملايين حصل عليها ارييل شارون لتسهيل اعمال شركات، وتدخله لدى حكومة اليونان لمنح جزيرة صغيرة لأحد ممولي حملته الانتخابية، واخرى اختلسها بنيامين نتنياهو، وهو يواجه الآن قضية فساد في المحاكم، وقد نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» شكاوى وردت اليها من داخل حزب الليكود، الذي ورثه فيما بعد حزب كاديما، تفيد بأن «اثرياء الحزب واصدقاءهم يدفعون اموالا طائلة لاعضاء في اللجنة المركزية في الحزب حتى يغيروا مواقفهم عشية الانتخابات او الاستجوابات».
نحن في الكويت نعاني حاليا من فساد يفوق ما لدى الاكوادور بالنظر الى تركيبتنا الاجتماعية التي لا يستطيع معها - حتى النائب النزيه - الصمود امام تيار اجتماعي جارف يطالبه بتطبيق ما يتيحه له قانون الاحزاب تحت عبارات غامضة تتحدث عن «التنسيق بين الكتل السياسية» و«خطة الاصلاح الاداري»، والجميع يعرف ماذا يحدث عشية كل استجواب من تمرير معاملات وشراء ذمم لإسكات الصراخ الذي يزداد حدة مع كل استجواب، بعد ان نفعت تلك الوصفة اللعينة في حلب المال العام بلا حساب.
وقد اصاب د.انور الفزيع في وصفه قانون الاحزاب في مقاله يوم امس في الزميلة «الراي» تحت عنوان «يخربون بيوتهم بأيديهم»، حيث قال: «ان العمل الحزبي سيضفي على الطائفية والقبلية نوعا من التقنين ويدعمها بآليات حديثة اكثر ضراوة، وسينفتح الصراع الاجتماعي والديني والعرقي على مصراعيه من خلال تلك الاحزاب التي ستكون اشد فتكا في جسد الدولة من اي شيء آخر».
ان ازاحة المسؤول الجيد، المؤهل، النزيه - لمصلحة آخر وفق حسابات انتخابية - تحدث الآن تحت غطاء «الاستجواب هو حق دستوري»، وفي ظل النظام الحزبي ستكون لكل حزب حصة معلنة في سائر الوظائف الرئيسية يوزعها على الانصار حسبما يشاء، وهو امر نراه حاليا في لبنان وفي العراق، وقد قرأت رسالة منشورة لديبلوماسي عراقي في جنوب افريقيا يشكو من تأثير الانتماء الحزبي على تعيين الموظفين في السفارة، ولا تسأل عن حال بقية الموظفين في داخل العراق، فهل نريد لانفسنا حالة مشابهة يخرج معها الموظف الكفء من مكتبه بعد عزله من عمله الى البيت حاملا معه مشاعر القهر ليدخل مكانه موظف آخر حديث الخبرة، متواضع المؤهل، من العاملين في الادارة نفسها ويأخذ موقعه بكل غطرسة، لا لشيء الا لأن الحزب الذي ينتمي اليه قد فاز، او ان صوت ممثل الحزب كان مرجحا في انتخابات اللجان.. الخ.
يا قوم، لقد اتبعنا نظاما انتخابيا - على مدى نصف قرن - شجع المجتمع على الفرز الفئوي، وبدلا من معالجة هذا الحال يسعى البعض الى تقنينه، وهو يردد «الاغلبية ستحسم ادارة الدولة»، وهذا وهم كبير، ففي مجتمعاتنا لا قيمة للاغلبية امام الغوغائية، واذا كان «كلينتون» يملك القدرة على دعم من تسبب في حرمانه وزوجته من دخول البيت الابيض، فإن فينا من يفكر ليل نهار في كيفية الانتقام منك لانك اختلفت معه في رأي، الكلام النظري في واد، والواقع الذي نعيشه في واد آخر.
كلمة أخيرة:
صرح وزير مالية العراق يوم أمس «وصلت قيمة المطالبات بالتعويضات الى تريليون دولار، وقريبا سيتم وضع اليد على ارصدتنا الخارجية»، ولنا ان نتساءل: «لماذا ركزتم على الكويت في تكرار طلبكم الغاء التعويضات، ونسيتم بقية التريليون، هل الكويت هي الحلقة الاضعف؟ رغم ان ايا من بقية المطالبين لا يملك جزءا من مبررات الكويت، شعبا ودولة».