فيصل الزامل
أخبرت سكرتيرة رئيس شركة كبيرة أن لدي موعدا معه فرحبت وسألتني إذا كنت أريد الشاي أم القهوة لتطلبها قبل أن أدخل، فاعتذرت، كان لباسها وزينتها يشبهان ما يحدث في عرض الأزياء المنشورة في الصحف، كررت السؤال رغم اعتذاري فأخبرتها أنني صائم أحد أيام شهر شوال، فقالت: «أنا كمان، الله يتقبل، عندنا نسميه صيام الصابرين» كان الأمر مفاجأة بالنسبة لي، ودرسا في آن واحد من جهة التريث في إصدار الأحكام ليس لتبرير ذلك الزي، ولكن لعدم المبالغة في الحكم بمجرد النظر الى الشكل الخارجي، تذكرت هذه الحادثة عندما قرأت تعليق الأخ النائب ناصر الدويلة على تعرفه بالأخ النائب علي الراشد عن قرب، حينما قال: «لم أكن أحب الراشد، وكنت أعتقد أنه لا يميل الى التدين، لكنني اكتشفت أنه طيب ويصلي» ولست ألوم الأخ ناصر فمعظمنا يحكم على الناس عن بعد، هذا الأمر يحدث من مختلف الاتجاهات، ليس لأن المواقف متعارضة فهذا واقع مفهوم، ولكنها المبالغة في الحكم، مثلا كتبت رثاء في الأخ أحمد الربعي يرحمه الله واستذكرته في مقال آخر مع اشتداد الأزمة السياسية، فأرسل الي من يعاتبني قائلا «انه ضد المتدينين» قلت: «نعم، لقد اختلف مع المتدينين وليس مع الدين» والمراد هنا الاسلاميين بالمعنى الشائع لكلمة المتدينين، والغريب في حكاية صلاة غير الإسلاميين أنها أمر شائع بينهم بشكل لا يتصوره كثير من الإسلاميين، وتعجبني كثيرا حكاية حدثت في مدينة «الزلفي» قبل نصف قرن، كان التدخين فيها من الكبائر - ليته استمر كذلك - وفي ذات ليلة طرق باب بيت إمام المسجد طارق في وقت متأخر، فتح الامام (المطوع) فسأله الزائر عن بيت فلان فقال «تبي تتن (سجائر) هذا بيته» وأشار الى جاره، ذهب الطارق الى البيت المجاور، فلما فتح له صاحب البيت وأخبره بغرضه سارع بإدخاله الى المنزل كي لا يراه أحد، فلما جلس وأخبره بأنه طرق باب «المطوع» قفز الرجل من مكانه قائلا «ماذا قلت له؟» قال «لم أقل شيئا سوى أني سألت عن بيتك، فقال لي «تبي تتن» وقع هذا القول على الرجل كالصاعقة، وأخذ يردد «أروح معه المسجد وأرجع ولا يذكر لي أنه يدري عني » ثم دخل الى الدار وعاد يحمل كمية كبيرة من علب السجائر- كروز - ووضعها على قطعة كبيرة من القماش، وصنع منها «بقشة» وقال له «الله رزقك، خذها بغير مقابل، بيع السجائر حرم علي من اليوم».
ليس الموضوع أن هؤلاء حكماء ويجب أن نقتدي بهم في حسن التعامل مع الآخرين، أهم من ذلك أنهم لا يعتبرون أنفسهم فوق الناس في الطهارة، شعارهم «اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون» وقد أخبرني من سمع مفتي سورية الشيخ أحمد كفتارو أنه التقى بمطربة سورية شهيرة بقاعة الاستقبال في أحد الفنادق بدمشق.
قال لها: «يا ابنتي لي عندك طلب».
قالت: «ما هو؟»
قال: «أرجوك أن تدعي لي الله بالمغفرة ومرافقة نبيه في الجنة».
ثم تابع كلامه وسط ذهولها التام «والله يا ابنتي لا أحد يعلم طهارة القلوب إلا الله، فلا تستغربي، ولا تردي طلبي» وكان منها ما كان بشأن تغيير سلوكها.
كلمة أخيرة:
قدم رجل من البادية وهو ذو عيال، وقال لعمر (رضي الله عنه):
يا عمر الخير جزيت الجنة... اكس بنياتي وأمهنه
أقسمت بالله لتفعلنه
قال عمر: فإن لم أفعل، يكون ماذا؟
قال: إذا أبا حفص لأذهبنه.
قال: فإذا ذهبت يكون ماذا؟
قال: عن حالي لتسألنه.
قال عمر: متى؟
قال: يوم تكون الأعطيات جُنة... والواقف المسؤول بينهنه
والناس إما الى نار أو الى جنة
فقال لغلامه: يا غلام، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم، لا لشعره، وأمر له بما يصلح شأنه وأهله.