فيصل الزامل
دون الدخول في تفاصيل الأزمة السياسية الحالية، والتي لم تنته، فإن لنا أن نتساءل عن هذا المسلسل الذي لا يغلق فيه ملف إلا ليفتح آخر، وبالرغم من تنوع القضايا والأيادي التي تتناولها، فإن القاسم المشترك هو الاعتياد على التصعيد بدءا من مانشيت صحافي وصولا الى أي مدى يمكن أن تصل اليه البلاد، بغير حساب للعواقب، سنتوقف عند هذه الظاهرة في 6 مشاهد:
ضعف الأداء الحكومي: أخبر د.أحمدالربعي يرحمه الله د.عادل الصبيح عام 2000 بأن قطبا برلمانيا يقول «ما لم يتحسن أداء الحكومة فاما أن نحل الحكومة أو المجلس»، وكان رد د.عادل «بالطبع سنعمل كل ما نستطيع لتقوية الأداء» والنتيجة هي تركيز الهجوم عليه وعلى كوكبة من خيرة شباب الكويت، لمنع تحسين الأداء.
يتساءل الناس «لقد أتيحت للسلطة أكثر من فرصة ابان الحل غير الدستوري، عامي 1977 و1986، ولم يتحسن الأداء الحكومي، ما الذي يضمن أن الحل لفترة زمنية تتجاوز الشهرين سيؤدي الى تحسين الأداء بشكل كبير؟» هذا الاعتراض صحيح وتتحمل السلطة السياسية الجزء الأكبر من مسؤليته في حسن اختيار الأشخاص، والجزء الباقي يتحمله من تعمد افشال العناصر الجيدة التي تم اختيارها ومع ذلك لا ينبغي الاستسلام، لابد من حركة نشطة وقوية في أروقة الدولة تحدث نقلة نوعية في تنفيذ الإصلاحات الإدارية وتطلق قوى الإنتاج على أكثر من صعيد، وتزيل الترهل، وقد أظهرت التجارب الناجحة أن الجميع يحترم الحزم في تطبيق القانون بغير تردد كما حدث في «ازالة التعديات» وبالعكس اذا حل التراخي والغفلة، كما حدث في أكثر من موضوع أمني بالغ الحساسية .
التعديلات الدستورية لإصلاح أداء السلطة السياسية «تشريعية وتنفيذية» أمر مستحق في ضوء تجارب نصف قرن تقريبا، وقد استنفدت المزايدة كل ما لديها في هذا السياق، فالخبراء الدستوريون مجمعون على اجازة الدستور لمبدأ اجراء التعديلات بما يحقق المزيد من المكاسب ويزيل المثالب، ولا يحتاج الأمر الى موافقة وصي فليس في الأمر كهانة، لاسيما أن الحال واحد، سواء قمنا بالخطوة المستحقة أو تجمدنا في مكاننا «الزعلان زعلان في الحالتين».
أظهرت التجربة أن الحل الدستوري لفترة شهرين لم يغير شيئا في تحسين الأداء السياسي، ان لم نقل إن هذا الأداء يزداد - في كل مرة- تشابكا بل وسباقا نحو الأساليب التصادمية بدلا من توظيف التجارب لصالح المعالجات الحكيمة،وهو أمر نتابع فصوله يوميا لسنوات متتالية، وتتابعه معنا بقية دول الخليج التي ينتابها القلق كوننا أسرة واحدة لا ينجو أحد من آثار عدم الاستقرار في أي منها .
لقد فوتنا فترة أسعار النفط المرتفعة والفوائض التي أضعفتها الأزمة العالمية، ما يجعلنا أمام استحقاق اقتصادي تاريخي بعد أن وصلت نفقات الدولة معدلا يتطلب سعر 80 دولارا لتحقيقه، ولولا احتفاظ هيئة الاستثمار بمعدل مرتفع للسيولة لانكشفنا حتى في صرف الرواتب، فنحن لا نستطيع انهاء خدمات خمسين ألف موظف كما فعل «سيتي بنك»، بالنظر الى المفهوم الخاطئ «الدولة مسؤولة عن توظيف المواطن» والصحيح أنها مسؤولة عن توفير فرص العمل، وليس «التوظيف».
الاندفاع المحموم نحو«الاحتراب» الفئوي والطائفي لا يبشر بخير، ولا يظهر درجة كافية من الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الوطن، وهو أمر مرشح للتطور السلبي ما لم يتدخل الحكماء بأي صورة .
ان أوضاعنا المحلية تتردى بشكل منتظم، وصحافتنا لم توفر مانشيتات من نوع «الحشود تقترب، الكتل تقصف» ..الخ، والمحطات الفضائية المحلية جعلت من «المحارشة» بين الناس وسيلة لاستقطاب المشاهدين، ومثل ذلك يقال عن المواقع الإلكترونية، هذه الوضعية شهدتها البحرين ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدي وقامت بخطوات سبق لنا الحديث عنها، والمرجو أن نوفق في الكويت حكومة وشعبا الى ما يحقق لنا الاستقرار والحفاظ على مواردنا ولحمتنا الاجتماعية التي نفاخر بها،ولكننا لا نعمل ما يكفي للحفاظ عليها.
كلمة أخيرة:
قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) لأناس من قريش : «بلغني أنكم تتخذون مجالس كي يقال من صحابة فلان ومن جلساء فلان - حتى تحوميت المجالس (تحاشاها الناس)، وايم الله إن هذا لسريع في دينكم (يضعفه) سريع في شرفكم سريع في ذات بينكم، ولكأني بمن يأتي بعدكم يقول: هذا رأي فلان،حتى يقسموا الإسلام أقساما، أفيضوا مجالسكم بينكم وتجالسوا، فإنه أدوم لألفتكم، وأهيب لكم بين الناس».