فيصل الزامل
لماذا صار مفهوم الاستجواب عندنا بهذا السوء؟ ولماذا أصبحت عبارة «الاستجواب حق» تساوي «الموت السياسي حق» على كل من يشارك في خدمة بلده من موقع الوزارة؟ يقول لي مسؤول سابق عاصر ثلاثة وزراء تعرضوا للاستجواب البرلماني ان حالتهم العقلية بالنسبة لي اختلفت قليلا بعد الاستجواب عنها قبله، فالممارسة التي طبقناها في الكويت تتسم بالقسوة المفرطة والشحن النفسي من قبل اطراف تنزلق الى الشخصانية في ممارسة عملية الاستجواب، بدليل ان نجاح الوزير في اجتياز الاستجواب ونيله ثقة البرلمان يعتبر اهانة شخصية للنائب المستجوب لا يغسلها إلا دم الوزير، فيستمر في ملاحقته ليلا ونهارا، حيث لا يخلو عمل اي وزارة من ممارسات جهاز طويل عريض يقوم بتحميلها على الوزير المرة تلو الأخرى حتى يحجب عنه رؤية الشارع في النهار وهو متوجه الى عمله، ويمنع عنه النوم وهو في فراشه، ويعتبر ـ النائب الثأري ـ ان كل يوم يستمر فيه الوزير على رأس عمله هو سبة له بين الناس.
هذا الانحراف في مزاولة العملية السياسية يتطلب رفضا عريضا من قبل المجتمع الذي يعجب من رفض اصحاب «الكفاءات» تولي مسؤولية المناصب القيادية حتى كتب احدهم «يجب ان يكون تكليف اي مواطن قادر على شغل المنصب الوزاري أشبه بالتجنيد الإلزامي، لا يحق لمن يستدعى اليه ان يعتذر»، وقد رأينا حالات مزعجة لقياديين ناجحين يستقيلون من مناصبهم، احدهم ترك منصب «مدير عام» قبل سنتين من موعد انتهاء عقده، وفضل ان يعمل مدرسا في الجامعة، فهو اذن لم يتفرغ لإدارة اعماله الخاصة ولا لوجود عرض مغر آخر، بقدر ما هي ضغوط النواب التي جعلته يكره نفسه، يقتحمون مكتبه ويملون عليه رغباتهم بشكل مهين والا فالتشهير، وقد امتد تأثير تلك الأجواء السلبية حتى الى داخل مجلس الأمة حينما اعلن الأخ النائب الفاضل خلف الدميثير عن رغبته في الاستقالة وانه قدمها الى رئيس مجلس الأمة الذي تمنى عليه تأجيلها، وعلى الرغم من ان اسباب استقالته غير معلنة الا انها بالتأكيد ليست عزوفا عن العمل كونه قد تقدم الى ترشيح نفسه قبل اقل من عام، بقدر ما هي بسبب هذه الأجواء السلبية على تعدد أشكالها.
لقد عقد في الكويت منتدى «برلمانيون ضد الفساد» ومن عجب ان يتزامن ذلك مع هذا الاستياء الكبير من الممارسة السياسية التي يشوبها الشطط والإحباط المدمر لقوى الإنتاج، الأمر الذي يتطلب من القوى الحية التي تتعقب الفساد المالي ان تكمل مسيرتها لكشف آثار الفساد السياسي في المؤسسة البرلمانية جنبا الى جنب مع المؤسسة الحكومية، وان تطرح ادوات قياس لكشف طرق الإفساد والتي صارت لنا فيها تجارب أليمة ومتنوعة في الكم والكيف.
كلمة أخيرة:
جاء رجل الى عمر ( رضي الله عنه ) يسأله عن تولي المسؤولية من عدمه: يا أمير المؤمنين، ايهما افضل، لا ابالي في الله لومة لائم خير لي ام ان اقبل على نفسي؟ فقال: اما من ولي من امر المؤمنين شيئا فلا يخف في الله لومة لائم، وما كان خلوا من ذلك فليقبل على نفسه ولينصح لولي أمره.