فيصل الزامل
قرأت خبرين، الأول يقول «الكويت تعرض على البحرين خدماتها الأمنية واللوجستية» بمناسبة قضية خلية ارهابية أحبطت البحرين مخططها، الخبر الثاني يقول «نجح المركز الوطني للحوار في المملكة العربية السعودية في إحداث تغيير كبير في مفاهيم العديد من المشاركين في دوراته، من خلال تخليص بعض المتحدثين في المجتمع من أسلوب جلد الذات أثناء ممارستهم توجيه الرأي العام، ونبذ التخندق وراء العصبية أيا كان اسمها ووصفها، والسبل الصحيحة لتغيير الخطأ بغير ارتكاب خطأ آخر..الخ، وقد تم تنفيذ تلك الدورات في 13 منطقة في أنحاء البلاد استفاد منها 80 ألف مواطن بمشاركة 800 مدرب أسهمت جهودهم في تغيير قناعات العديد من أئمة المساجد وأعضاء في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..الخ» ثم قال أمين عام المركز، فيصل بن معمر «كثيرا ما يدخل الى المركز من هو رافض فكرة الحوار من حيث المبدأ، ومتشكك في دوافعها، ولكنه يغير رأيه بشكل جذري لما يراه من صدق ووضوح وشفافية تامة، وما نراه يحدث في تلك الدورات هو أمر تاريخي بكل المقاييس». انتهى.
الفارق بين الخبرين كبير، من جانب أهمية تطوير الممارسة الأمنية في قضايا لا يكفي فيها الجانب العسكري، على أهمية حضوره ويقظته التامة، ومن الواضح أن فرص النجاح متفاوتة بين دول الخليج بسبب عجز بعضها عن ادارة مثل هذا الحوار، رغم مبادرة القيادة السياسية في بعض تلك الدول ـ كما حدث في الكويت مع مركز الوسطية ـ أو أن تشوش عليها مؤثرات إقليمية كما في البحرين، فإن كل ذلك لا يقلل من الأهمية الكبيرة للقيام بمثل تلك الجهود التي تحفظ للمجتمع ثروته البشرية من هدر طاقاتها في صراع مع الذات وانفصام في معاني المواطنة وتشققات تتسلل من خلالها مخابرات أجنبية لا تستطيع فرض ارادتها على دولنا بغير توظيف بعض أبناء تلك الدول لمخططاتها التي رأينا ماذا تفعل بمن حولنا.
لقد عاشت المملكة العربية السعودية مسألة الحوار الوطني منذ قرن تقريبا مع تأسيس هذه الدولة في بيئة كانت شديدة الانقسام على المستوى القبلي ثم الديني مع زيادة مظاهر الغلو، الأمر الذي يجعل الملك عبدالعزيز بن سعود رائدا ـ حقيقة ـ في محاورة مخالفيه وكان لنجاحه في جمع صفوف الناس حول مفهوم الدولة ما نراه اليوم والذي لو لم يكن موجودا لما وصلت منافع الثروة النفطية الى الناس في عمق الصحاري وبعيد الجبال وقد كنت أناقش صديقا من الإخوة الأتراك حول المشكلة الكردية وحملت تركيا جزءا من المسؤولية في عدم وصول الخدمات التعليمية والصحية والثقافية..الخ للمناطق الكردية في أقصى الشرق على مدى نصف قرن مضى تطورت خلاله تركيا بشكل كامل وشامل، إلا أن حظ الريف الكردي كان قليلا جدا، الأمر الذي منح المتطرفين أرضية تحركوا من خلالها فيما يجري.
نعم، ان مواجهة الإرهاب تحتاج الى مسارين «ثقافي ـ تنموي» ولا غنى عن سور أمني متيقظ يحمى الدولة، ولكنه ليس البديل عن هذين المسارين، على الإطلاق.
كلمة أخيرة:
استبقى عمر ( رضي الله عنه ) الأحنف بن قيس عنده في المدينة زمنا، ثم قال له: «قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خوفنا كل منافق عليم اللسان، ولست منهم».