فيصل الزامل
هذا التنطع في مواصفات المرشح للمنصب الوزاري أو أي منصب عام، هل يمثل حرصا حقيقيا على اختيار الكفاءة، أم انه وسيلة لتوجيه الاختيار نحو المحاسيب والمعارف؟ وبالتبعية فإن لهذا التوجيه ثمنا لابد أن يدفعه من يتم تعيينه وبالطبع لن يقوم من تم تعيينه بالسداد من جيبه الخاص، بعد أن تصبح مقدرات الدولة تحت يديه ومنها يتم تنفيع من كان لهم دور في تعيينه، حيث سيتم توظيفه ليس لصالح كل المواطنين، ولكن قلة منهم لديها أدوات (أسئلة نيابية ـ صحف ـ علاقات خاصة) وهذه طامة كبيرة جدا، حيث إن بقية المواطنين سيكونون ضحية لتردي الخدمات العامة كون من تولى أمرهم يملك خبرة «علاقات عامة» فقط لا غير.
لقد رأينا في موضوع المشاريع الكبرى التي مرت كيف تمت «شقلبة» موافقة مجلس الوزراء الى رفض وبحماس كبير (...) من قبل أشخاص لا صلة لهم بالغيرة على المال العام، كونهم يدفعون لإنفاق مليار دينار على استملاك مناطق منظمة وحديثة لا معنى لاستملاكها سوى تسديد فواتير انتخابية «من كيس المال العام» يقابل ذلك عرقلة ضارية لتنمية هذا المال العام بإيقاف المشاريع الكبرى حيث لن يجرؤ أي موظف أو جهاز حكومي بعد اليوم على اجراء دراسات تستغرق سنتين من العمل المنهك ويكون مصيرها كما رأينا، هذا ان وجدت جهة عالمية متخصصة ترغب في انفاق دولار واحد في جهود معروفة نتيجتها، سلفا.
لقد تقدمت وزيرة التخطيط والتنمية الإدارية بخطة جيدة بكل المقاييس تستغرق خمس سنوات وبتكلفة 35 مليار دينار يتم تعبئة أكثر أموالها من الاستثمارات المحلية والخارجية، كان مصيرها سخرية بعض النواب واستهزاء بعض الصحف، وبالتالي فالرسالة هي «الجمود هو سيد الموقف»، بعد هذا نقرأ عن المطالبة بتوظيف الكفاءات، واذا تم انتقاؤهم فإنهم سيواجهون عبارات من طراز «شبعنا خطط وخرابيط» و«صفقة آلافكو مبالغ فيها» و«مشاريع البتروكيماويات نصب وحرمنة»..الخ، «يا ناس، وين رايحين؟».
المؤلم أن النائب الجاد الذي يعمل بكل صدق واخلاص يكون مكشوفا أمام ثقافة غريبة استقرت في المجتمع تقول لهذا الصادق (ها.. اشتروك، كم دفعوا لك؟) وبالتالي قليلون هم الذين يجرؤون على قول «لا» والضحية هي وطن جميل لا يستحق هذه المعاملة المسيئة لحاضره ولمستقبله، أذكر أن أحدهم كان يقول قبل عشرين سنة «خلونا نتفق مع صاحب النفوذ من المفسدين على تحديد حجم البوقة، ونخلص، حتى تمشي الديرة» اليوم هذا القول مطروح في الاتجاه المعاكس، وبالطبع الجواب أن هذا الصنف من الناس لا يقنع بحد أقصى، بل يزداد نهما وجشعا، شعاره الدائم «هل من مزيد؟».
كلمة أخيرة:
لما طعن عمر رضي الله عنه وقف بقربه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قائلا: «لقد صحبت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض..» وأثنى غيره عليه بامارته وعدله، فقال «أما صحبة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورضاه عني فإن ذلك منٌّ، منّ الله به علي، وأما إمارتكم هذه، فإني ما أخاف على نفسي غيرها».