فيصل الزامل
تابعت برنامجا تلفزيونيا حول انتاج اللؤلؤ الصناعي في اليابان، حيث يتم ادخال شيء شفاف ـ حصاة صغيرة ـ في جوف المحارة ثم توضع مع عشرات المحار في سلال معدنية وتثبت في قاع البحر، وبعد فترة من الزمن يجدون المحارة قد غلفت الحصاة بمادة اللؤلؤ وبجسم كبير يفوق حجم اللؤلؤ الطبيعي، هذا الاجراء البسيط الذي لا يتطلب انشاء مصانع معقدة ولا حتى استثمارات ضخمة كان هو السبب الرئيسي في انهيار اقتصاد الكويت والخليج في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، اضافة الى الركود العالمي، سألت نفسي «لو أن هذا الشريط التلفزيوني الذي شاهدته الآن، وهو يشرح مراحل انتاج اللؤلؤ الصناعي، كان متوافرا بأيدي الناس في الكويت وعرفوا منه كيف ينقلون هذا الفن بمهارة، هل كانت معرفتهم بهذه التقنية ستدفع عنهم الركود الاقتصادي الذي حدث، وأفقد الآلاف من الكويتيين مصدر رزقهم الرئيسي؟» يومها تراكمت الديون على البحارة وصادر الدائنون بيوتا كثيرة وتوقفت سفن الغوص عن الإبحار، وتراجعت ثروات كثيرين كانوا مصدرا لتوليد الأعمال والحرف، فتحولوا الى العجز التام، وتم بيع عدد من السفن في مواني الخليج بأبخس الأثمان لاستخدامها في نقل الركاب..الخ، كل ذلك كان سيأخذ منحى آخر لو ارتحل رجل أعمال طموح الى اليابان وعاد ومعه شخص ياباني أغراه الكويتي بمال وفير كي يعلم الناس زراعة اللؤلؤ في مياه الخليج بدءا من الكويت حتى سواحل عمان، ولك أن تتخيل مسار الاقتصاد في تلك الحال!
الداعي للتفكير بهذه الطريقة هو السعي لعدم الاستسلام الى السوداوية في فترة الركود الاقتصادي الحالية التي لابد لها أن تنتهي بعد أن تستوفي عمرها في دورات الاقتصاد المعروفة بين هبوط وصعود، ومثلما أن هناك جهودا تبذل على مستوى الدولة فإن للأفراد حصتهم من هذه الجهود، فليس من المعقول أن يستمر معدل الصرف الشهري في هذه الفترة كما كان الحال قبل فترة الركود، وبالتالي فليس بمستغرب أن تخفض الشركات من الرواتب، بل حتى الرواتب الحكومية ليس غريبا أن يتم تجميدها وأن تتوقف زيادات الرواتب للعام الحالي، الأمر الذي سينعكس حتما على مستوى الأسعار للمواد الاستهلاكية بالسالب، وينعكس إيجابا على ميزانية الأسرة، ما يعنى في نهاية المطاف أن تجميد زيادات الرواتب لم يقلل من مدخول الأسرة.
في الجانب الحكومي، تتسم فترات الركود بزيادة الانفاق على مشاريع البنية الأساسية التي تحفز الاقتصاد وترفع من قيمة الناتج القومي بوجود قيمة مضافة للصادرات وللدورة الاقتصادية الداخلية بشكل عام، الأمر الذي يتطلب فكرا مغايرا بالنسبة لكيفية توجيه المليارات التي يتحدثون عنها، فهي «مفيدة» اذا كانت بمنزلة جسر عبور للمؤسسات المليئة، و«نافعة» للأفراد اذا تمثلت في جدولة مريحة تتسم بالعدالة فلا يستفيد أحد من الأزمة رغم أنه كان مجازفا، ولا يستفيد من كان متحفظا، و لنا في تجربة معالجات سوق «المناخ» درس مكلف، لابد من استذكاره اليوم.
كلمة أخيرة:
قال عمر ( رضي الله عنه ): «ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرين».