فيصل الزامل
نعم، لم تتقدم الحكومة بمشاريع رئيسية منذ فترة طويلة، وصحيح أنها مترددة وتلغي مشاريع حيوية عند أبسط اختبار بسبب ضعفها في الدفاع عن تلك المشاريع، ولكننا اليوم أمام «أم المشاريع» الذي تجري عليه الحكومة والمجلس تعديلات تستهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وفي حال تكرار تراجع الحكومة عنه عند أبسط اختبار ـ كالعادة ـ وعدم قدرتها على تطويره بشكل موضوعي وليس سياسيا، فإنها ستضيف الى القائمة انتكاسة جديدة لا يمكن تدارك آثارها لسنوات طوال، وهذه المرة ستكون مسؤولية بعض النواب علنية وصارخة، فالجميع يطالب بمبادرة ومعالجة، وبدلا من مناقشة المشروع المطروح بكل أمانة وتجرد رجعنا الى المربع رقم واحد، وبالطبع تتحمل الصحافة مسؤولية رئيسية في هذه البلبلة حينما تعهد بعضهم بإحراج كتلة وافقت من حيث المبدأ على المعالجة ثم تراجعت من أجل ثلاثة محررين قرروا إثبات أنهم هم وليس غيرهم الذين يقرون أجندة هذه الكتلة، ويرغمونها على تعديلها وقتما شاءوا.
مشكلة كبيرة أن يتم التعاطي مع مشروع «الاستقرار الاقتصادي» بغير الاقتراب من التفاصيل والمشاركة في النقاش داخل قنوات صياغة المشروع واجراء التعديلات الضرورية كما فعل المستشار فيصل المرشد، ومثل ذلك يقال عن الجانب الشرعي عبر مختصين ـ مؤسسات وأفرادا ـ في بلد يشهد له العالم بأنه مزدحم بالخبرات الشرعية في المعاملات الاقتصادية.
الوضع المالي لا يحتمل التأخير بتاتا، سواء للدولة أو للوحدات الاقتصادية، هذه الوحدات هي التي تحفظ مدخرات الأفراد ـ عبر البنوك ـ وتدير استثمارات الناس ـ عبر الشركات ـ ولا يجوز تعطيل جهود المعالجة بغير تقديم حل حقيقي، وسنتوقف هنا عند بعض النقاط المطروحة في هذا الموضوع:
موضوع الأسهم الممتازة ـ فقرة 12 في المادة 1 ـ لا يتناسب مع مبادئ الشريعة حول المساواة بين المساهمين، والتي «تعطي لمالكها حقوقا إضافية لا يتمتع بها صاحب السهم العادي، مثل الأولوية في الحصول على الأرباح».
موضوع ضمان 50% من التمويلات الجديدة، «يحتاج الى ضبط» وفق ما ورد في المادة 8 بحيث يكون من خلال شراء الأصول وليس الديون ـ حسب المقترح الأصلي في القانون قبل التعديل ـ الأمر الذي يحقق التوازن للمالية العامة وأيضا يوجد الأساس السليم لاحتساب عائد، وهو ما لا يتحقق عبر شراء الديون.
تحمل الدولة لـ50% من الضمان للتمويلات الجديدة يقابله تحمل «البنك» للنصف الآخر، الأمر الذي يجعل الطرفين شركاء في المسؤولية عن مخاطر الدين، وبالتبعية فإن موضوع السقف لا معنى له في علاقة متوازنة كهذه، ليس من صالح البنك التوسع فيها بغير ضوابط العمل المصرفي السليم والحريص.
تناول الباب الثالث موضوع شركات الاستثمار وتم تصنيفها على أساس الملاءة، وبالتالي فليس في الأمر تنفيع، فالجيد منها سيبقى حسب ما ورد في تصنيف المادة 10 للشركات (مع ملاحظة تعديل سندات الديون ـ مرة أخرى ـ الى محفظة أصول يتم شراؤها بعائد معلوم لصالح الهيئة).
لقد مر مشروع «الاستقرار الاقتصادي» في الولايات المتحدة بنفس الاختبار من قبل الكونغرس، ولكن مطالبات الأعضاء هناك تركزت حول زيادة حصة المشاريع التنموية في المشروع، وقد سجلت أميركا سرعة جبارة في الوصول الى الحل، بينما سيستغرق الأمر في الكويت ردحا من الزمن ـ كالعادة ـ تتغير معه قيم أصول الأفراد والشركات على نحو تنتفي معه فعالية معظم مواد هذا القانون، الأمر الذي يتطلب تحركا أكثر جدية وفعالية مما هو عليه الحال الآن.
كلمة أخيرة:
بعد وفاة عمر رضي الله عنه، وصل عبدالله بن سلام متأخرا بعد أن صلى الناس على عمر رضي الله عنه، فقال: «لئن سبقتموني بالصلاة عليه لا تسبقوني بالثناء عليه» ثم وقف أسيف العين ـ دامعها ـ عند رأسه، وقال «نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جوادا بالحق، بخيلا بالباطل، ترضى حين يتوجب الرضا، وتسخط حين يتوجب السخط، لم تكن مداحا ولا مغتابا، طيب الظرف عفيف الطرف).