فيصل الزامل
«النيل من هيبة الدولة» كان هدفا ثابتا للبعض في التاريخ السياسي الحديث للكويت، كانت البداية غامضة، جاءت من مبدأ مفهوم، وهو رفض الاستبداد، ومع مرور الوقت مارس اتجاه الرفض صورا غريبة من الاستبداد حينما لم تلق استجابة «الشيخ عبدالله السالم» للأماني الوطنية إلا التعنت وإطلاق النعوت والأوصاف التي تتناسب مع أنظمة عربية بوليسية فتحت السجون ونكلت بمواطنيها، لقد تقمص «البعض» معاناة النضال العربي وأسقط ما يجري هناك على الحال المحلي بغير تمييز بين الحالين، وكم هي مفارقة أليمة أن تصل المنية عام 1965 إلى «أبوالدستور» في مبنى الدستور، قال محدثي «كنا جلوسا حينما جاءنا الخبر، فصفق البعض، ممن يشيد به اليوم!».
واستمر الجيل الثاني على نهج «النيل من هيبة الدولة».
يا سادة يا كرام، يقول الحقوقيون «إن الدول لا تحكم بوضع خفير عند رأس كل حارة لتحقيق تطبيق القوانين، وإنما تحكم الدول بالهيبة التي ينبع منها احترام قوانينها» ولو نظرنا إلى أسرة قررت فيها الزوجة أن تقلل من هيبة الزوج منذ أول أيام زواجهما، وبمرور الشهور والأعوام تلتفت إلى الزوج ليعينها على أبناء كبروا وساءت أخلاقهم ثم طلبت منه حماية أسرته فإذا هو حطام هيبة، عندئذ، لابد للزوجة أن تدفع الثمن في صورة أبناء عاقين وأسرة مهلهلة، وبالمثل في أحوال الدول التي صفق البعض فيها لنجــاح مسيرة «النيل من هيبة الدولة» فـــإذا انفلت الأمن وتضرر أولئك المصفقون التفتوا يبحثــون عمــا أضاعوه عن سبق إصرار وترصــد، ولم تعد تلك المسيرة محصورة في «ذلك البعض» بعد أن تحولت إلى سلوك عام شجع فيه نواب «مناطق» الأحداث على الخروج من التوقيف في مخفر رغم فداحة الجـــرم، ولم تمر أيام حتى صارت تلك المناطق تحت رحمة أولئك الأحـــداث، يخطفون خدمهم من الشوارع ويطـــلقون الأعيـــرة النــارية في كل مناسبة، ويبغون على بعضهم حــتى بغير مناسبة!
نعم، إن منهج «النيل من هيبة الدولة» هو الذي يحرك «الآن» الجيل الثالث لما نراه من رفض بالجملة لمسائل متنوعة، سياسية واقتصادية وإدارية، وصولا إلى هدف أبعد من كل تلك المسائل والمشاريع، وهو تلك «الهيبة» التي تجعل اللقاء بكبار المسؤولين في اللجان مرفوضا لا لشيء إلا لانخفاض معنى تمثيلهم للدولة لا لأشخاصهم عند «الجيل الثالث»، وقد رأيت في بلد مجاور شخصا بدا من لهجته العربية انه من الجنسية البنغالية، كان يرتدي زيا مدنيا كتب عليه «حرس أسواق» ما إن رآه المخالفون حتى قاموا وابتعدوا بسرعة، قلت لصاحبي: هذا من الجنسية البنغالية، إلا أن المخالفين يعرفون أنهم في مواجهة «هيبة الدولة».
يا قوم، أعيدوا لنا وطنا استرجعناه أرضا، ونفتقده «هيبة».
كلمة أخيرة:
قال نفر من جلساء عمر ( رضي الله عنه ) له «لِنْ لنا، فقد ملأت نفوسنا هيبة» قال: «أو ذلك على ظلم مني؟»، قالوا: «لا» قال: «إذن، زادني الله مهابة في قلوبكم».