فيصل الزامل
دعا حسن الترابي الرئيس السوداني الى تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية واعتبر تلك الخطوة امتثالا للعدالة الدولية، والعجيب ليس فقط أنه لم يتخذ نفس الموقف لانقاذ العراق في الأيام الأخيرة من حكم صدام حسين بل اعتبر احتلاله للكويت ليس أمرا بالغ الأهمية اذا كان يؤدي الى قيام كيان عربي كبير ويحقق حلم الوحدة، قائلا «معاناة 150 ألف كويتي لا تقارن مع مكسب ثلاثمائة مليون عربي» هذا المنطق السقيم لم يتغير يوم أمس بسبب صحوة ضمير ولكنها غلواء السياسة والخصومة بلا حدود، وإلا فأين تلك المواقف من مشكلة دارفور التي تمتد الى عقود طويلة كان خلال بعضها الترابي ممسكا بزمام الأمور في السودان؟
وفي وارد الاستعانة بجهات خارجية لمعالجة الوضع الداخلي في السودان– وليس غزوا من خارجه - الى القول «حتى فرق الكرة الآن تستعين بمدربين من الخارج» وأشاد بالمحكمة الدولية بقوله «هذه المحكمة قانونية وهي تصوّب أعمالها نحو أشخاص وليس نحو دول» ووصل الأمر بالترابي الى التنسيق مع الشيوعيين، حينما قال «أنا الآن قريب منهم فهم قد تغيروا، مثلما تغيروا عن تشددهم القديم».
لقد تسبب قرار المحكمة الدولية في انسحاب المنظمات الاغاثية من دارفور، الأمر الذي فاقم من معاناة المدنيين، ولن يستطيع أحد احضار عمر البشير الى لاهاي حيا، الأمر الذي يعني مضاعفة معاناة الشعب السوداني عبر اجراءات الحصار والمضايقة لسنوات طويلة بغير طائل، فالمسؤولية عما يجري في دارفور تسبق العهد الحالي بعقود طويلة من الزمن، وقد انتقد المبعوث الهولندي السابق الى الأمم المتحدة يان برونك قرار المحكمة الدولية بقوله «أشك أن البشير بمجرد كونه رئيس الدولة، متورط في الجرائم التي حدثت في دارفور، والتحقيقات التي أجراها كومبو تمت في تشاد ولم تمتد الى موقع الجريمة، وبالتالي تنقصها الدقة فيما تعتبره دلائل وقرائن» انتهى، وقد جاء تصريح برونك هذا رغم أن الخرطوم اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه عام 2006 وقامت بترحيله، الا أن ذلك لم يمنعه من انتقاد قرار المحكمة غير القائم على أساس راسخ، وهو نفس الباعث الذي يدفعنا الى انتقاد ذلك القرار، بعيدا عن أي تعاطف مع شخص عمر البشير الذي يستحق محاسبة أشمل تتصل بدفع السودان الى حرب أهلية طويلة في الجنوب، وتأخره في الوصول الى المصالحة حتى تجاوز عدد الضحايا مليوني شخص، وبعد سنوات طويلة من اذلال الجيش وانهاك موارد الدولة، وأما جرائم دارفور فهي ملف تعاقبت عليه حكومات كثيرة، ويتطلب معالجة حكيمة يغلب عليها الطابع الاغاثي، وليس العقابي.
كلمة أخيرة:
كنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عمر يوم بدر بـ «أبي حفص»، وهو ولد الأسد – الشبل – وسأل بن عباس عمر رضي الله عنهم «لأي شيء سميت الفاروق؟» فذكر قصة اسلامه الى أن قال «فأخرجنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في صفين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر، حتى دخلنا المسجد، فسماني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الفاروق».