فيصل الزامل
في عالم الطيران يقوم برج المراقبة في المطارات بتوجيه الطائرات، يحدد لها المسار والارتفاع ولا تكفي قائد الطائرة كل الأجهزة المتطورة في مقصورة الطائرة ولا تغنيه عن التواصل مع برج المراقبة في الدول التي يمر بها، فضلا عن المطار الذي يقصده، وهذا هو حال السياسيين في الكويت، حيث تقوم وسائل الإعلام بنقل تصريحاتهم وتحدد لهم مستوى التحليق ومعدل سرعة المواجهات مع الأطراف الأخرى، وهي التي تبرد الأجواء بنقل عبارات تقدير على لسان وزير لنائب: «هل تعتقد أن النائب الموقر بومحمد لديه خبرة في الموضوع الفلاني؟» يجيب بهز رأسه موافقا، تنشر الصحيفة في اليوم التالي ثناء عطرا ومعه عبارة «طاح الحطب»، وإذا أرادت الصحيفة أن «تشعللها» فلا يتطلب الأمر سوى عبارتين تثير هذا، فيرد ذاك بأقسى منها، و«الوعد على المنصة يا فلان».
من جانب آخر، صار لكلمة «استجواب» مدلول الإدانة لطرف والعفة والطهارة الفورية للطرف الآخر، هكذا بغير حاجة للدخول في التفاصيل، لهذا ينجح كثير من المستجوبين في تأليب الناس باعتبار أن لغة التشكيك لا تتطلب مجهودا في الإثبات، فالأجواء النفسية تقول «المتهم مدان في دنيا السياسية» وهو يشبه كلام أحدهم في حق فتاة يريد شخص أن يتقدم إلى خطبتها فإذا سمع الخاطب ذلك الكلام مجرد تساؤل من نوع «والله ما أعرف شيء، وأنا غير متأكد من سلوكها، بس الناس يتكلمون وأنا ما أحط بذمتي»... ترى، ما هو رد فعل الشاب الخاطب؟ هل ينتظر الوصول إلى الدليل ويكلف نفسه جهد التأكد أم أن مجرد الاتهام يعني الإدانة في معظم الأحوال، والنتيجة تراجعه عن الخطبة.
هذه الأجواء صارت جزءا لا يتجزأ من تاريخنا السياسي منذ نصف قرن، وبالتالي فإن تغيير رئيس الوزراء لا يعني أن شيئا سيتغير مع من يحلّ مكانه، ولست أقصد بذلك أن مبدأ تغيير رؤساء الحكومة مرفوض فنحن في بلد يعتز بعبارة «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» الذي أعنيه أن الأجواء نفسها كانت تطبق على من سبقه وعلى من سيأتي بعده، وما لم تتم تنقيتها فإننا نحرث في البحر.
ولو أتيح لأحد، أو جيل آخر غيرنا، أن يغير تلك الأجواء، فالبداية يجب أن تكون في التعاطي الإعلامي، سواء عبر الصحافة ـ برج المراقبة ـ أو مسألة بث الجلسات عبر وسائل الإعلام بلا حاجة سوى فتنة المتحدث والنفخ في ذاته، مرورا بنزع هالة القدسية المسماة بـ «الحصانة البرلمانية» التي لا مبرر لها في بلد يتمتع فيه كل مواطن بحصانة كافية فيما يتعلق بحرية التعبير، ولا معنى لتلك الهالة سوى نفخ الذات وفتنة نفس بشرية عادية، تحولت إلى شيء آخر، وبعد تركه البرلمان تنساه الصحافة ويعود كما كان بغير تلك «العظمة» المصطنعة.
كلمة أخيرة:
كان أحد الصحابة ممن يؤخذ عنه العلم يمشي وخلفه مجموعة تتبعه وتسأله في العلم، شاهدهم عمر ( رضي الله عنه )، فنهرهم وفرقهم وقال للصحابي «اجلس في المسجد فمن أرادك فليأت إليك» والتفت إلى الناس قائلا: «لا تعودوا لمثلها، فإنها فتنة للمتبوع، وذلة للتابع».