فيصل الزامل
التقى صدام حسين بعد اعتقاله وفدا عراقيا يتكون من عدنان باجه جي، موفق الربيعي، أحمد جلبي، سأله باجه جي: «انت ليش ما انسحبت من الكويت بعد أن خرجت من ايران منتصرا والعالم كله كان معك، وعندك امكانات، لماذا فعلت ذلك؟».
قال صدام: «دكتور عدنان، انت مو كنت وزير خارجية العراق ؟».
باجه جي : «نعم».
صدام: «مو كنت ألفت كتاب تؤيد فيه عبدالكريم قاسم في موضوع الكويت؟».
باجه جي (مرتبكا): «هذا كان بالسابق، بالسابق».
أشار أحمد جلبي الى وقائع ذلك اللقاء مع جريدة الحياة فقال: «كانت القوة الأميركية التي داهمت مخبأ صدام قد فشلت في العثور عليه، وعندما همت بمغادرة المكان داس جندي على سلك كهربائي مدفون بطريقة سطحية وعندما تتبعه وجده يفضي الى الحفرة التي يختبئ فيها صدام، كان السلك المستعمل لتشغيل مروحة كهربائية له السبب في كشفه، وقد لاحظ الذين تحدثوا معه من العراقيين أن لديه ضعفا شديدا في تقدير العواقب للأعمال التي يقوم بها ونرجسية مفرطة لا يتصور معها أنه وقع في خطأ من أي نوع مثلما يفعل أي شخص عاقل يراجع حساباته، فقد بدا مطمئنا الى أن ما فعله طوال 35 سنة صحيح بالكامل وأن المهم هو الحفاظ على شخصه هو كرمز للعراق (...) لهذا بادر في لحظة اعتقاله، أثناء اخراجه من الحفرة الى القول «أنا صدام حسين، رئيس الجمهورية العراقية»! وقد لاحظ عليه المتحدثون معه جهله الكامل بميزان القوى العالمي وسوء تقديره للمدى الذي يستطيع أن يصل اليه في تصرفاته، وفي نفس السياق بدا عليه عدم الاكتراث مطلقا بما وصل اليه حال شعبه، حيث بلغ راتب المعلم 2.5 دولار في الشهر في بلد لديه قدرة حضارية هائلة، ولو توافرت له ادارة جيدة لأصبح في مصاف تركيا وربما أفضل منها اقتصاديا واداريا» انتهى.
أما عن الأميركان، فقد أساءوا هم أيضا تقدير الوضع المحلي منذ اللحظة الأولى لتسلمهم دفة الأمور في العراق بنفس القدر الذي وقع فيه صدام وذلك ـ أيضا ـ بسبب الغرور الزائد حيث قرروا التخلص من الجيش العراقي لأن الأمور ستكون تحت سيطرتهم بسهولة حسب اعتقادهم، وتحول الاتجاه من تعزيز قيام دولة العراق الجديد تحت ادارة حكومة مؤقتة، الى اعلانه بلدا محتلا بموجب القرار 1483 للأمم المتحدة الذي صوت عليه مجلس الأمن بالإجماع، بما في ذلك سورية، ولا أحد يعرف كيف تم تغيير التوجه الأول الذي صرح به ممثل الرئيس بوش، خليل زاده، ثم بشكل مفاجئ تغير كل شيء وذهب ضحية ذلك مليون قتيل في فلتان أمني يتخبط بين مقاومة المحتل وهيمنة جيران أغراهم ضعف هذه الدولة «المحتلة»، هذا التغيير في التوجه سوف يبقى سرا كبيرا ولا يمكن لي أن أستبعد تأثير اسرائيل في موضوع يتصل بأمنها الإستراتيجي بشكل مباشر وكامل.
كلمة أخيرة:
لحظة المواجهة بين الظالم والمظلوم ليست عادية، يذكره بغروره وبطشه وضحاياه.. هذه اللحظة ينتظرها كثيرون جدا جدا، وبفارغ الصبر في يوم «الوقت المعلوم» يوم يتوسل الظالم بعد زوال هالة الغرور والسلطان، ويتوجع قائلا (..ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) موقف مرعب قال عنه عمر ( رضي الله عنه ) «والله لو أن لي ما على الأرض لافتديت به من هول المطلع».