فيصل الزامل
تأملت في مباريات الملاكمة التي تجري في الغرب، حيث تسيل دماء المتلاكمين وتتورم وجوههم، فإذا رفع الحكم يد الفائز منهما اقترب الخصم نحو الفائز وعانقه مهنئا بالفوز، في بلادنا لا يحدث شيء من هذا القبيل، فالمنافسة الانتخابية على المقاعد، أو في المصالح التجارية، أو على المناصب الإدارية، دائما قاسية وبإفراط حتى تتحول إلى أحقاد وضغائن دفينة، وفي أمثلة العرب «أحقد من جمل» فنحن في بيئة مختلفة عن الغرب، يبدو أن الهواء الذي نتنفسه وعوامل الطبيعة المحيطة بنا قد شكلت فينا نفسية لا تخدم التسامح، وما لم تستقر المعاني الإيمانية في سويداء القلب على أساس (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فإن اللدد في الخصام سيكون هو سيد الموقف على النحو الذي نراه، صحيح أن هذا السلوك يشترك فيه سائر البشر إلا أن جرعته تزداد في ظروف بيئية مواتية، كبيئتنا، والغريب أن تحدث خصومة شعواء لسبب بسيط من نوع قيام رجل بتحية شخصين في ديوانية، يصافح الأول بشكل عادي ولكنه يظهر حرارة في السلام للشخص الثاني، فيجلس الأول مقطبا حاجبيه، معرضا عنه طوال الجلسة وحتى بعدها – هذا الشيء حدث فعلا - هذه التفاهة تهبط الى مستوى ما يجري في الشوارع بين بعض السائقين من شجار عنيف والسبب «ليش يدق لي هرن» أو«ليش يخزني بعينه؟ قمت طلعت ليور حديد وكسرت زجاج سيارته»..الخ.
هذا الأسلوب لا يقف عند ما يجري في ديوانية أو في الطرقات بل تجده في العمل السياسي والإداري فاشيا في هذه البلاد بشكل غريب حيث تضاءل مفهوم الخلاف المهني لصالح شخصنة أي تباين في الرأي، وقد دار الحديث التالي في إحدى العواصم الخليجية:
قال: يا فيصل باقول لك شيء بس لا تزعل.
قلت: تفضل.
قال: إذا عرضت علينا المساهمة في شركة أو بنك في دبي أو قطر أو البحرين واكتشفنا بعد الموافقة أن معنا مساهمين من الكويت نسحب نفسنا بهدوء.
قلت: لماذا؟
قال: الخلافات جزء لا يتجزأ من أي عمل، دائما هناك وجهات نظر، وحتى مخالفات، وتصحيحها يتطلب معالجة عاقلة وإلا تتزايد الأضرار، جماعتكم أقرب شيء عندهم الصحف والمحاكم، ولا تهمهم الأضرار التي تكون أكبر بكثير من سبب الخلاف.
لم أستطع أن أجادله بشيء يقرؤه الناس في كافة الصحف الكويتية تقريبا وبشكل شبه يومي، فسكت.
كلمة أخيرة:
تعرض رجل لعقوبة من والي العراق لأنه رفض أخذ عطائه ناقصا، فذهب الى عمر ( رضي الله عنه ) في المدينة وقال: «يا أمير المؤمنين لقد كنت ذا نكاية وبلاء كبير في القتال فلما أبيت عطاء ناقصا ضربني أبو موسى الأشعري وحلق رأسي» فقال عمر «لأن يكون الناس كلهم على صرامة هذا أحب الي» أي إباءه المهانة، ثم كتب الى أبي موسى «سلام عليك.. إن كنت فعلت ذاك في ملأ من الناس فعزمت عليك أن تقعد له في ملأ من الناس حتى يقتص منك، وإن كنت فعلته في خلاء من الناس فاقعد له في خلاء من الناس حتى يقتص منك».