فيصل الزامل
الوصول الى النفوذ والسلطة شيء، والفساد المالي شيء آخر، كثيرون يفوتهم التمييز بين هذين النوعين من ممارسة الاستبداد، بينما النتيجة واحدة، وهي «الاستبداد»، وفي الوقت الذي يكون طالبو الفساد المالي كثيرين جدا، فإن المصابين بجنون النفوذ قليلون بالنسبة للنوع الأول، إلا أنهم أخطر منهم بكثير، ففي حين يعرف الفاسدون ماليا أنهم فاسدون ويغمضون أعينهم عندما يمدون أيديهم، فإن أتباع النوع الآخر يظنون أنهم يحسنون صنعا!
لعبة النفوذ لها سكرة والذي يتعاطاها يصاب بالإدمان عليها، ولهذا فإن مرارة فقدان المنصب لا تعدلها مرارة (إلا من أتى الله بقلب سليم)، وإذا كان الفاسد ماليا لا يعبأ بتدمير أي إنسان يقف في طريقه حتى إن كان عابر طريق، فإنه يدهسه بغير شفقة، فكذلك المريض بداء النفوذ الذي لا يكترث بضياع شعب ودولة بأكملها، ومن المصائب ألا يدرك «شعب بأكمله» ما يفعله هذا المدمر إلا بعد مرور عشر سنين أو أكثر، كما هو الحال في بلاد عربية تندب حظها اليوم حينما اتضحت لها حقيقة الثوار وما خلفوه للأجيال اللاحقة من بؤس وخراب، هذا اكتشاف متأخر جدا ولا أهمية له.
انظر الى هذا المريض بداء النفوذ والسلطة عندما يصل الى مرتبة «متنفذ»، انه يستمتع بإجراء مكالمة هاتفية تطلق سراح مجرم، همسة منه عند باب ديوانية أو عبر السماعة تؤدي إلى تعيين وزير، شيء ممتع، وبالطبع سينفذ هذا الوزير جميع طلباته وليس بالضرورة أن تكون تلك الطلبات في صورة منافع مادية، ولكن من خلال مواقفه داخل الحكومة التي تضمن لصاحبنا أن يكون متواجدا «بنفوذه» من وراء الكواليس وهذا عنده أشهى وألذ من أي منفعة مادية، وبصراحة أكثر، فإنه لا أحد من منتقدي جمال عبد الناصر قد أشار إلى فساد مالي في سيرته كلها، هذا الأمر لم يعرف عنه في قليل ولا كثير، أما طغيان السلطة وآثارها على شعبه ووطنه، والأمة كلها، فحدث ولا حرج.
كلمة أخيرة:
في لقاء تلفزيوني مع الإمام الخميني قبل انتقاله من باريس إلى طهران سأله المذيع عن شكل العلاقة بينه وبين أجهزة الحكم اذا لم يكن سيترأس السلطة بشكل مباشر، شرح الإمام، قال المذيع «أي أنك ستدير من خارج الحكومة؟» قام المترجم بترجمة إجابته التي قالها بالفارسية، وهي «بلى».