فيصل الزامل
مطالبة بعض الناخبين لمرشح مجلس الأمة بتحقيق مصالح شخصية لهم هو اتجاه سائد في الكويت، وهذا يطرح تساؤلا لمن يهتم بالجانب الشرعي في هذه المسألة ـ من لا يهتم فليستمر بطلب ثمن للشهادة، وليتحمل العواقب ـ فأنت عندما تدلي بشهادتك تجاه صلاحية هذا المرشح أو ذاك فإنك تمارس واجبا، وتؤدي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال «فأبين أن يحملنها» ومن غير المقبول ان تتقاضى مقابلا لتلك الشهادة من خلال إنجاز النائب معاملاتك حتى وإن كانت سليمة فهو لم يطلب شهادتك عن مؤهلاته كمخلص معاملات، ولكن لأداء واجب آخر يجعله في مرتبة القاضي الذي تختل عدالته إذا تم توظيفه بهذه الطريقة التي نشاهدها في مجمع الوزارات لبعض الإخوة النواب.
يقول أحد الذين تورعوا عن أخذ مقابل عن تلك الشهادة «كنت في حاجة ماسة لانجاز معاملة مهمة، وفكرت في طلب مساعدة النائب الذي انتخبته، ثم تركت ذلك ابتغاء مرضاة الله، وفي عصر نفس اليوم خرج أخي من المسجد برفقة جاره وشرح له موضوعي فقال له لا يحتاج الى مساعدة نائب، الحل هو كذا وكذا، وسأذهب معه فقد مررت بنفس المشكلة» يقول محدثي: تعجبت، وتذكرت قول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ): «ما ترك عبد شيئا لله إلا وأبدله الله خيرا منه» انتهى.
نعم، الوصول إلى المنافع بالطرق المشبوهة أمر سهل ولكنه فتنة لا يتخطاها إلا من آمن بـ «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك».. قال الأمة كلها وليس مجلس الأمة فقط، فانظر! ومن المهم أن يعلم الذي لا يهتم بالجانب الشرعي أنه شريك في الانحراف الذي يقع فيه نائب يستخدم الوسائل المعروفة وغير المعروفة من أجل «افتعال استجوابات للابتزاز.. توجيه أسئلة للضغط على البعض مع السكوت عن غيره ممن خضع...الخ».
إن شعار «صوتك أمانة» يحملنا مسؤولية ضخمة لا تحتمل الغفلة عما ينتظر من ضيعها من سوء عاقبة لقاء ما يتقاضاه من أجر عن شهادة مغموسة بالسحت، فهذا ممن «لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا..» ما أشرب في جوفه من منفعة عينية أو نقدية، لا فرق، واعلم أيضا أن النائب الذي يحصل لك على شيء ما، فإنه يحصل لنفسه بالحرام على أضعافه ـ عينيا أو نقديا، لا فرق ـ ولولاك لما وصل الى هذا الحال فأنت تشبه الزوجة التي دفعت زوجها الموظف الى أخذ الرشوة لتلبية طلباتها، فهما في الإثم سواء، ولن ينفعهما التلاوم يوم الحسرة والندامة.
البعض يقول أنت تتحدث في المثاليات، ولهذا وأمثاله أقول، إن المواطن الذي يقع في المحظور الشرعي سيلقي باللائمة عليك أنت بسبب سكوتك، وعدم إنكارك هذا الأمر حتى ظن أنه تصرف سليم وعادي، وإذا قمنا «جميعا» بواجبنا فليفعل بعد ذلك كل إنسان ما يحلو له، وفي الكتاب المنزل (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)، وإنك إذا نظرت فيما نعيشه من تراجع وفشل متلاحق، وقارنت ذلك بما لدينا من دستور وقوانين فسوف تعجب كل العجب، فالنصوص جميلة، والقوانين رائعة، ولكن هذه وتلك لا تتحرك على الأرض بقدمين، وإنما يطبقها البشر الذين إذا وجهوها لغير ما شرعت له حولوها إلى أدوات تخريبية، و«كيفما تكونوا، تكن قوانينكم ودساتيركم» ولن ينفعنا تعديل دستور ولا استحداث لوائح ما لم نغير هذه الممارسات بأنفسنا، فليس أكثر دهاء من الإنسان المنحرف، ألم تنصب اليهود شباكها يوم السبت وتجمع السمك يوم الأحد، حتى لا يسبتوا بزعمهم؟
كلمة أخيرة:
كان عمر ( رضي الله عنه ) يأمر عامل الزكاة إذا دخل بها إلى المدينة أن يكون ذلك نهارا، وليس بالليل، حتى يراه الناس ولا يحجب منها شيئا.