فيصل الزامل
قال أحد سكان بغداد: «عندما كنت شابا قويا أعبر نهر دجلة سباحة بصعوبة شديدة نظرا لقوة التيار، اليوم أعبر دجلة سيرا على الأقدام بسبب ضحالة المياه نتيجة للسدود في تركيا» خبر آخر نشر بالأمس «حذرت وزارة البلديات العراقية من ارتفاع نسبة الأملاح في شط العرب بسبب السدود الإيرانية على نهر كارون الذي يصب في الشط، ما يتطلب إنشاء محطات تحلية بدلا من وحدات التصفية العادية لتوفير مياه الشرب» انتهى، هذه مناسبة للتوقف أمام دورة الزمان في حال الدول، ليس فقط مع العراق الذي كان وأصبح، ولكن مع غيره أيضا، ففي عام 1921 زار الشيخ يوسف بن عيسى البحرين واطلع على نظام المجلس البلدي، وطرح مقترحه بإنشاء مجلس بلدي مماثل في الكويت، وهكذا كان، وقد درس عدد من الكويتيين في البحرين بالثلاثينيات والأربعينيات، أعرف منهم السيد شيخان الفارسي، والسيد عبدالعزيز الفهد والسيد صالح شهاب، وبين الخمسينيات والتسعينيات تقدمت الكويت ثم تراجعت الآن إلى ما كانت عليه في الثلاثينيات، فالطلبة الكويتيون في البحرين بالآلاف والتطور هناك يسير بسرعة قياسية، ولله الحمد، وهو درس للأمم التي لا تنتبه لحالها.
لقد خسر الدينار الكويتي 10% من قيمته أمام الدولار، والتصنيف السيادي للكويت الذي كان الأول في المنطقة إلى فترة قريبة تم تخفيضه بغير أن يكترث أحد هنا، في ظل هذا التراجع ستصل قيمة الدينار خلال السنوات الخمس القادمة إلى دولار واحد بدلا من ثلاثة دولارات ونصف الدولار، وعليه ستنخفض القوة الشرائية للرواتب إلى الثلث تقريبا، هذا الأمر حدث مع الجنيه المصري الذي كان عام 1950 يساوي ثلاثة دولارات فأصبح يساوي اليوم بضعة سنتات، وإذا التفتت الكويت إلى استثماراتها الخارجية فستجد أنها خسرت 100 مليار خلال الربع الأول فقط من العام الحالي – المصدر: المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية، مجلة ميد - هذا الرقم يساوى الجزء غير المستخدم من موازنة مشاريع البنية الأساسية التي لم يصرف منها إلا 57% وتأخر صرف الباقي بسبب المشاكل المعروفة ما ترك الباب مفتوحا للأسواق العالمية كي تلتهم 30 مليار دينار لو تم توطينها في البلاد لسلمت فعلا للأجيال القادمة!
يقول بوخميس، وهو من أهل البحر الكويتيين: «كنا في الأربعينيات نتوقف في ميناء عدن باليمن عدة أيام السفر ونترزق، أشيل على راسي بضاعة وأنادي، وإذا سمعوني أهل البيوت تطلع المرأة رأسها وتصيح علي «يا عتبي، تعال» أروح لها وأحط بضاعتي وأبيع، ومن بيت إلى بيت إلى أن يحين وقت مشيتنا» ثم دار الزمن دورته وصار أهل عدن يبيعون بنفس الطريقة في الكويت بالخمسينيات والستينيات، ولا يعلم إلا الله ما سيكون عليه الحال في السنوات العشرين القادمة، فالأرقام تقول إن 130 ألف شاب كويتي سيدخلون إلى سوق العمل خلال السنوات الخمس القادمة، ولن تستوعب الوزارات عشر هذا العدد كونها أساسا متخمة، وفي ظل عدم وجود مشروعات تولد فرص عمل فإن أزمة اقتصادية طاحنة تنتظر الكويتيين، وبالتبعية ستكون لها آثار اجتماعية مؤلمة، فالكويت هي «دولة رفاه» - كما يحلو لنا القول - يعيش نصف شبابها في ظل نظام التقاعد، تجدهم في الديوانيات الصباحية والنصف الآخر معظمه يستخدم الوظيفة كمكان لقضاء الوقت، قارن ذلك بدولة مثل ماليزيا التي إذا ذهبت فيها لأداء صلاة الجمعة تجد المسجد خاليا وقبل ساعة فقط من الصلاة يمتلئ ويفيض، فقد نزل الموظفون من مكاتبهم، وبعد الصلاة يرجعون إليها حتى الساعة الخامسة مساء، مع تناول وجبة غداء خفيفة، مثل ذلك رأيته في تركيا، وإذا كان هذا هو حالهم يوم الجمعة فلا تسأل عن بقية أيام الأسبوع، وبالطبع لا مجال للمقارنة مع الإنتاجية في سوق العمل الكويتي.
كلمة أخيرة: قال حسان بن ثابت:
لمن الدار أقفرت بمعان .... بين شاطئ اليرموك فالصمان
ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر .... وحقٌّ تعاقب الأزمان