فيصل الزامل
«التشكيك والطعن في الذمم» هو موروث رديء أفرزته المرحلة السابقة من التطبيق السيئ للديموقراطية في بلادنا، وغالبا ما يمارسه شخص لديه مأرب من وراء هذا التشكيك كأن تكون يده مغموسة في الحرام، فإذا شعر بانتباه الناس لتصرفاته أطلق سيلا من عبارات التشكيك في الآخرين، ما يؤدي إلى صرف الأنظار عن ممارساته، وقد انزلق إلى هذا الأسلوب بعض البسطاء ممن اعتقد انه طريقة سليمة للإصلاح وما درى أنه يمنح غطاء لـ «الحرامي» الحقيقي الذي يشغل المجتمع باتهام الأبرياء ليتسلل هو من الباب الخلفي تاركا الناس يخبط بعضهم بعضا.
كثيرا ما نقول اننا في مجتمع مختلط بين «الشيوعية والرأسمالية»، الأمر الذي يتطلب نظرة فاحصة، فـ «الشيوعية» ترجمة لكلمة لاتينية تعني «شيوع الملكية على العموم» وقد بدأ استخدامها عام 1835 بواسطة الجمعية الثورية السرية الفرنسية في بلد سيطر فيه الإقطاع الزراعي على الأرض والبشر الذين يعيشون عليها، ثم هجمت تلك النظرية على سائر شرائح المجتمع فاجتثت الطبقة الوسطى لصالح المنتمين إلى الحزب، وسيطرت حالة الحسد على نفس كل من تؤول إليه السلطة، أما الرأسمالية فقد ورّثت لنا المجتمع الاستهلاكي بشراهته المعروفة، وعندما تجتمع النقيصتان «الحسد وشراهة الاستهلاك» فإن المجتمع يفقد ميزة الأمن من لصوص الشوارع في المجتمع الشيوعي التي يقابلها في الرأسمالي انتشار الجريمة، كما يفقد ميزة «الإنتاجية المرتفعة» لدى المجتمع الرأسمالي، إذن يخسر المجتمع «الهجين» ميزات النظامين ويحصد مساوئ كل منهما، وهو ما آل إليه حالنا بكل أسف.
لقد تعامل الإسلام بشكل مباشر مع تلك الغرائز البشرية فدعا إلى التكافل الاجتماعي، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : «كان الأشعريون إذا أملقوا ـ نقص ما عندهم ـ أو كانوا على سفر، فرشوا ثوبا فوضعوا عليه ما عندهم من زاد، فاقتسموه بالسوية، اولئك قوم أنا منهم وهم مني»، وهؤلاء قوم أبي موسى الأشعري ( رضي الله عنه ).
وقد ذم الإسلام الحسد لأنه يقوم على تمني زوال النعمة عن المحسود حتى وإن لم يصر للحاسد مثلها، واستبدل ذلك بالدعاء الكريم «اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك فمنك وحدك..» وجاء في تفسير (والذين هم للزكاة فاعلون) أنهم القوم يعملون على زيادة أموالهم لهدف كريم، هو أن تزداد زكواتهم وإنفاقهم في أوجه البر، وإذا كان مصدر ثرواتهم هو الغصب والنصب فلا زكاة عليهم في تلك الأموال، إذ لا زكاة على مال مغصوب، فهو سحت «إن الله طيب لا يقبل الا طيبا».
إن مجتمعنا بحاجة إلى أن يختط هويته الخاصة به، وما لم نرفض ذلك الموروث الرديء «التشكيك والطعن في الذمم» فإننا لن ننتفع من كيانات جميلة في ظاهرها ـ برلمان وغيره ـ يدخلها أشخاص قد تداخلت فيهم نوازع وبواعث لا تفضي إلى خير، أبدا.
كلمة أخيرة:
أقبل رجل مرخيا يديه، طارحا رجليه، يتبختر ـ بلغة الناس هذه الأيام: ناعم ـ فقال له عمر ( رضي الله عنه ) : «دع هذه المشية» فقال «ما أطيق»، فجلده، ثم تبختر فجلده، فترك التبختر، قال عمر: «إن لم أجلد مثل هذا فمن؟» ثم إن الرجل جاءه بعد ذلك وقال: «جزاك الله خيرا، إن كان إلا شيطانا أذهبه الله بك».