فيصل الزامل
تحدث الأخ العزيز حمد الجوعان عن «اختطاف البلد»، وهي عبارة يقولها الجميع هذه الأيام حتى تداخلت المعاني لدى الشباب، لهذا كان لابد من تسمية الأمور بأسمائها، وسنبدأ بـ«الاختطاف السياسي» الذي رأيناه في المجلس السابق حينما تم تعطيل 47 نائبا عن ممارسة دورهم تجاه أهم مشروع اقتصادي في تاريخ الكويت كان سيضع صناعة البتروكيماويات الكويتية في مستوى شركة سابك عبر أساليب جديدة من التهديد والتخويف عبر الصحف حتى تحقق اتخاذ القرار الحاسم بمعزل عن البرلمان، فمن هو الخاطف؟ هل هو المختطف الذي خضع للتهديد، أم الذي مارس التهديد مستخدما سلاح الإعدام السياسي؟
«الاختطاف المالي» أيضا يحتاج إلى تعريف، ففي ظل نظام يسمح للنائب بممارسة عمل تنفيذي في الشركات ذات العلاقة مع الوزارات التي تقع تحت طائلة صلاحياته الدستورية، التي يوجه فيها أسئلة ويمارس استجوابات حسب رد فعل هذا الوزير أو ذاك على مناقصاته، فهو مساءل ـ كموظف تنفيذي ـ من قبل مجلس إدارته عن النتائج المالية للشركة، نحن بحاجة لإجابة شافية، ونتوقع أن تكون الإجابة صريحة من شخص يقول الحق ولو على نفسه.
إن الأمانة مع التاريخ تتطلب تثبيت حقيقة ما حدث في يناير 2006 حينما أراد البعض ارتهان البلد للإدارة عبر وسيط، ولو لم يكن في تاريخ جاسم الخرافي السياسي كله غير تفعيل دور النظام الدستوري لتحاشي السقوط في تلك الحفرة لكفى، في وقت أراد غيره لي عنق النص الدستوري ليوافق هواه بغض النظر عن العواقب، فالموضوع لم يكن خلافا حول تعيين وكيل في وزارة أو ترخيص لشركة، بل إدارة البلد بالوكالة، هذا الدور التاريخي لجاسم الخرافي، ولولا العمل الحثيث من «قلة قليلة لم يسكن الإيمان بنتيجة الديموقراطية في قلبها» بعد انتخابات الرئاسة لنعمت البلاد بالاستقرار المنشود.
لقد أشاد الأخ حمد الجوعان بالعم جاسم القطامي الذي انصرف من مكان الندوة بهدوء، فقال عنه حمد «هذا رجل عظيم» وهي حقيقة، تجعل لرأي القطامي أهمية كبيرة حينما قال «ما فعله جاسم الخرافي في إدارة الجلسة صحيح، ولولا ذلك لانفلت زمام المجلس، ولو كنت مكانه لفعلت مثله»، ما يجعل ملاحظة الأخ حمد عن دور «رئيس المجلس» تجاه الاستجوابات محل تساؤل، في ظل مساعيه المتكررة واجتماعاته بالنواب المستجوبين لإقناعهم بالتريث، وتحركه في حدود ما تسمح به اللائحة الداخلية للمجلس التي حاول الأخ الفاضل والصديق مشاري العنجري مع آخرين تعديلها بما يحقق المزيد من الإنتاجية للمجلس، ولكن تلك الجهود لم تصل إلى نهايتها المنشودة لأسباب معروفة لدى النواب وفي الوقت الذي يحاسب فيه الناخبون «نواب التأزيم» المنشغلين بالدفاع عن أنفسهم، يكون من الغريب تغيير مسار المسؤولية لإبعاده عن هؤلاء وتوجيهه باتجاه من كان يوجه لهم النصح مرات عديدة بشكل مباشر، وأحيانا عبر وسائل الاعلام، هل يتناسب ذلك مع حقائق يعرفها القاصي والداني؟
لقد تحمل الأخ حمد الجوعان معاناة صعبة منذ التحرير وتألمت شخصيا لآلامه، فهو قريب، وحبيب جدا، وقدم لوطنه الكثير قبل الاحتلال، الأمر الذي يجعل له حقا كبيرا تجاه وطنه، وأيضا لهذا الوطن حق عليه في أن يدفع نحو استقراره بدلا من تعبير «إطلاق الرصاص» وتمجيد من تسبب فيما نحن فيه، مما لا يساعد جهودا كثيرة تسعى لتحقيق ما سعى له بيان الشيخ جابر الأحمد الذي أشاد به الأخ حمد، وذلك في يونيو 1971، لتنقية الأجواء، وعلى جيلنا أن يتحمل مسؤوليته لبلوغ نفس تلك الغاية النبيلة.
كلمة أخيرة:
اشتاق أمية وزوجته لابنهما الذي خرج للجهاد، وكان ضريرا مسنا وكان مما قال:
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك ما تسيغ لها شرابا
سمع بشعره عمر، فأمر بإحضار ابنه من العراق، وقابل عمر الأب والابن من ورائه، وأشار إليه أن يحلب لأبيه، وقدم له عمر اللبن وهو يسأله عن حاله، فقال أمية وهو يتناول اللبن «والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي ابني كلاب»، فبكى الحاضرون جميعا وعمر معهم ثم قال له «هذا كلاب عندك، فالزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا» وأمر له بعطائه وأمه وأبيه.