فيصل الزامل
دخول أربع سيدات إلى مجلس الأمة عبر الانتخاب، سبقه دخولهن عبر التعيين كوزيرات، ومنهن من أثبتت نجاحا «سياسيا» لافتا، مثل وزيرة التربية في مواجهتها الناجحة للاستجواب، فالحدث ليس جديدا بشكل كامل، والمثير فيه هو الانتقال من عدم نجاح أي امرأة قبل سنة واحدة فقط إلى نجاح جماعي، وهو ما يعتبره البعض نوعا من أنواع الاحتجاج الشعبي على أداء البرلمان السابق، بدليل أن نظام الدوائر الخمس الذي نجحت من خلاله الأربع عضوات - أحسن من «نائبات» – هو نفسه المطبق في انتخابات العام الماضي، ما يؤكد شعور الناخبين، رجالا ونساء، بالإحباط من المجلس السابق، ورغبتهم في رؤية شيء جديد في التركيبة النيابية، لعل وعسى.
لقد سبق أن تمنيت تغيير «النوتة» حتى يتغير العزف، فالعازفون ـ مهما كانوا جيدين ـ مرتهنون لثقافة عقيمة تقوم على الحركات البهلوانية ومسرحيات يعرضها التلفزيون مساء بعد كل جلسة وصباح اليوم التالي بشكل أكثر تزويقا، ولو أن الأمر اقتصر على متابعة الجلسات عبر الحضور الشخصي من قبل المواطنين بغير مشاغبة وسائل الاعلام، سواء المرئية أو المقروءة لتغير أداء كثير من النواب، ولأصبح الميكرفون هو «ناقل صوت» فقط، وليس أداة بث موجات مغناطيسية ترسل ذبذبات متتابعة، لا يلبث معها وجه المتحدث أن يتلون، وتعابير وجهه أن تتغير، حتى ان المقربين منه لا يكاد يتعرفون عليه، بعد أن تحول إلى شخص آخر بسبب ذلك الميكرفون، الأمر الذي يستحق وقفة مع معالم «الشخصية المتحولة ميكروفونيا»:
لا تعتمد هذه الشخصية على قوة المعلومات بقدر اعتمادها على التأثير النفسي بالبكاء «وجاءوا أباهم عشاء يبكون»، فقد أقنع أبناء يعقوب عليه السلام أنفسهم بأنهم صادقون، ولم ينجحوا في إقناع أبيهم بقميص وضعوا عليه دما كذباً، قال الأب «بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».
يستمد التلفزيون تأثيره من قدرته على رسم الصورة عن بعد، حسبما يشير اسمه tele أي بعد، vision رؤية، وهو امتداد للعين، مثلما أن الراديو امتداد للأذن، ويتفوق الأول في قدرته على رسم صورة ذهنية تعتمد على تأثر المشاهد بما يرى، هذا الأمر تدركه «الشخصية المتحولة» وتجتهد في التأثير، وليس الإقناع، لهذا تجد كثيرين يوافقون متحدثا هائجا على كل ما يقول، وهم لم يسمعوا شيئا مما يقول، هذه طبيعة بشرية، فقد رأيت سعادة سفيرة الولايات المتحدة وهي تتابع كلمة إحدى الخريجات يوم أمس الأول، كانت تهز رأسها علامة إعجاب بما يقال، رغم أن الإلقاء كان باللغة العربية.
دقة المعلومات ضعيفة جدا عند «الشخصية المتحولة أمام الميكرفون»، وقد اشتهر أسلوب «هز الأوراق» على أنها مستندات إثبات، رغم أنه لا علاقة لها بموضوع الحديث، بدليل رفض صاحبها اطلاع أحد عليها، غير أنها جزء من وسائل التأثير البصري على الجمهور الجالس أمام الشاشة!
السؤال، هذه الثقافة التي تسببت في إحباط الناس، هل تستطيع أربع سيدات مثقفات تغييرها؟ هل يتمكنّ ـ بتشديد نون النسوة ـ من العمل كفريق يسعى إلى تحقيق طموح الناس؟ أم أنهن سيستسلمن بعد أن وصلن لما هو مكتوب في «النوتة» القديمة؟ الإجابة هي في يد «العضوات» الجديدات، وسيكتب التاريخ بدقة ما سيفعلنه لوطنهن.
كلمة أخيرة:
تزوج عمر رضي الله عنه عاتكة بنت زيد، ابنة عمه، بعد أن مات زوجها، كانت قد رثته بأبيات أقسمت فيها أنها لن تتزوج أحدا بعده، ولكنها فعلت، فذكّرها أحدهم بشعرها ومنه:
فآليت لا تنفك نفسي سخية
عليك ولا ينفك جلدي أحمرا
فلما سمعته بكت ونشجت عاليا، قال عمر ( رضي الله عنه ) للرجل: «ما حملك على هذا؟ كل النساء يفعلن هذا، غفر الله لك».