فيصل الزامل
يجتمع الرئيس الأميركي اوباما مع مرشح الرئاسة في ايران عباس مير موسوي في أنهما لا يمثلان انقلابا على النظام في بلديهما بقدر ما أنهما يدعوان الى «التغيير» وازالة الترهل عن بلديهما سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ففي البلدين تعددية مزعجة لمراكز القرار على المستوى الأمني، فقد ترى «اف.بي.آي» شيئا يخالف ما تراه ادارة الجمرك في مسألة مكافحة الارهاب، ويرجح الرئيس واحدة منهما، وفي الحالة الايرانية الذي يرجح هو «المرشد» مع فارق مهم في انحياز الرئيس الأميركي في عهد ادارة بوش الى الطرف الراديكالي بالمطلق، وهو ما يسعى اوباما لتحقيق توازن فيه، الشيء نفسه في طهران، حيث ينحاز المرشد بالمطلق لـ «الباسيج» و«الحرس الثوري»، وربما احتاج الأمر الى نظرة أعمق تتجاوب مع حاجة التوازن، على طريقة أوباما الذي فاجأ الجميع بعدم اندفاعه في تأييد المعارضة الجديدة في ايران وميله الى التريث، بينما لم يكن الرئيس بوش ونائبه تشيني سيستغرقان أكثر من ثوان من التفكير لاطلاق تصريحات مؤيدة للمعارضة الايرانية!
إن فشل الجمهورية الإسلامية الايرانية في تحقيق أهدافها الاسلامية «الصرفة» شيء سيء، ولا يكفي فشلها للشعور بالسعادة من جانب خصومها، فهي كانت ستضيف الى الأمة الاسلامية الكثير لو اختلفت عن طموحات الشاه التوسعية وتخلصت من العرقية الضيقة، وقبلت التعددية التي تمثلت في نموذج أوباما بدلا من أن تنص في دستورها على أصل وفصل الرئيس الذي يجب أن يكون شيعي المذهب، ايراني الأصل.. الخ، فيجوز لها أن تدير الحكم في بلاد مجاورة ولا يجوز لأي من أبناء تلك الدول ـ من الشيعة العراقيين مثلا ـ أن يصل الى رئاسة الدولة، في حين رأس الهند «الهندوسية» أكثر من مرة رئيس هندي مسلم، ورأس أميركا ابن مسلم، وهو من أصل كيني.
نعم، تدير ايران بلدا من سبع قوميات كبيرة وأخرى صغيرة، والايرانيون فيها من أصل آذري يصل عددهم الى سبعة ملايين، ومثل ذلك يقال عن البلوش، الأكراد، العرب، الأفغان والأرمن، ومن المأمول أن ينجح الاصلاحيون ليس في اسقاط الجمهورية الاسلامية في ايران لكن في تغيير نغمة الهيمنة والاستكبار على الآخرين، ذلك الشعار الذي رفع ذات يوم ولكنه يمارس كل يوم في الاتجاه الخاطئ!
لماذا أحذر من الاندفاع في الاتجاه السلبي ضد الجمهورية الاسلامية في ايران؟ لأنني لا أضمن أن تتحول الى الأسوأ، سواء كانت أقوى أو أضعف، في الحالة الأولى سنحظى بشاه جديد له طموحات مكررة، وفي الثانية سنعيد سيناريو العراق المشتت، الذي يهدد أمن الجميع، بعدم استقراره، وهو ما لن يحدث ـ أملا ـ بوجود ادارة جديدة تؤمن بدور ايران الايجابي في أمن المنطقة، ودورها الايجابي تجاه اللغة والثقافة العربيتين بغير أهداف ايديولوجية، ودورها الايجابي في تنمية مواردها الاقتصادية فيما يسعد شعبها ويفيض عبر مشاركة فعالة في صناديق التنمية...الخ.
هذه ايران التي نريد، ونتمنى أن تتحول قيادة المعارضة الحالية من أداة تنفيس وانفجار غير محدد الاتجاه الى طاقة دفع فتية للدولة تتمتع تلك القيادة بانضباط «رجال الدولة»، فقد أرهقت ايران حكاية الثورة (غرض في ذاتها وليست وسيلة) الى متى؟
كلمة أخيرة:
عندما طعن عمر ( رضي الله عنه )، أمال رأسه باتجاه ابن عباس قائلا: «كنت أريد اخراج الموالي من المدينة، وكنت أنت وأبوك تأبيان علي، أرأيت؟»، يقصد أن أبا لؤلؤة وغيره من غير المسلمين يجب أن ينقلوا الى غير المدينة، قال ابن عباس: «إن أمرتنا أخرجناهم الساعة يا أمير المؤمنين»، قال عمر «كذبت ـ بمعنى أخطأت ـ أبعد أن فشوا في أسواقكم وزروعكم ودوركم؟»، يريد أن عليكم التعايش مع الواقع الجديد، الحلول المتأخرة تؤدي الى كارثة مدمرة.