فيصل عبدالعزيز الزامل
القوات الاميركية تستعد للرحيل من العراق قبل الموعد المحدد سابقا، وقبلها قامت القوات البريطانية بتسليم البصرة للسلطات العراقية، السؤال، كيف يعتبر وجود هذه القوات في العراق احتلالا بينما هي تعمل ليل نهار على تعزيز قدرات الاجهزة الامنية العراقية لتمكينها من الحلول محلها؟ وإذا كان الوجود المؤقت والمربوط بمهمة محددة قد اعتبر احتلالا فماذا يمكن أن نسمي وجود القواعد الاميركية في تركيا وألمانيا، وعدد من دول الخليج، أليست هذه اتفاقات ثنائية أبرمتها سلطات تلك الدول لسبب أو لآخر؟ لقد بدأت المصائب في العراق ـ منذ زوال النظام السابق ـ بعد إطلاق تسمية احتلال على قوات جاءت لهدف محدد، فالاحتلال في سائر تجارب الدول يمارس أمورا مختلفة مثل البقاء لوقت غير محدد واستغلال ثروات الدولة المحتلة، وفي حالات كثيرة مسخ هوية الشعب الذي احتلت أرضه، هذا ما رأينا من الاحتلال الصدامي للكويت وفي تجارب أخرى كثيرة، وهو لا ينطبق على الوجود الاميركي والبريطاني في العراق، وهذا لا يعني أنهما قد حققتا المهمة بإتقان، على العكس، كان أداء إعادة بناء الدولة متعثرا على أكثر من مستوى، وفي تقديري فإن المسؤولية مشتركة بين الدولتين ـ بريطانيا والولايات المتحدة ـ من جانب والعراقيين من جانب آخر، بكل مسمياتهم، الذين انساقوا وراء تسمية هذا الدعم الكبير لاعادة بناء بلدهم احتلالا ومن ثم تشكل خلايا مقاومة وثقافة عدائية كاملة أفشلت جهود بناء الدولة، وكرست الانقسام السياسي والاجتماعي في العراق.
ان ألمانيا أولى من العراق بتسمية وجود القواعد الاميركية على أراضيها بالاحتلال، حيث يحظى هذا الوجود بتغطية قانونية منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى تجعله فعلا «احتلالا» بقوة اتفاقية 1945، ومع ذلك فالشعب الالماني ينظر إليه كسبب للنجاة من المد الشيوعي إبان الحرب الباردة ومؤشر لتحالف ألمانيا الغربية مع الدول الغربية ما جعلها أكبر اقتصاد أوروبي على الاطلاق خلال الـ 60 عاما الماضية، ولو أن أحد محترفي تدمير الشعوب ظهر في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وسارع لاطلاق مصطلح «احتلال» على الوجود الاميركي هناك وتشكلت جيوب لمقاومته لما بلغت ألمانيا ما بلغته، ولربما كانت اليوم بمستوى پولندا وتشيكوسلوڤاكيا، لو نجح المدمرون في الخمسينيات من القرن الماضي بإلحاق ألمانيا كلها بالمعسكر الشرقي البائس.
هذه الايام أتابع جهود سلاح الهندسة الاميركي في تسليم منصات حفر آبار النفط للعراقيين، يقول المهندس الاميركي: «بعد أن أعود الى بلادي لا أريد أن أشاهد في التلفزيون هذه المنصات وهي تدمر، حاولنا إفهامهم أن اقتصاد بلادكم يعتمد على سلامة هذه المنشآت أمنيا، وفنيا، لقد تسلمتموها وهي تعمل بكفاءة عالية جدا، حافظوا عليها» قارن ذلك بالطريقة التي تعامل بها صدام حسين مع المنشآت النفطية الكويتية قبيل انسحابه من الكويت.
هل تنطبق كلمة احتلال على الحالتين بغير فرق؟ ختاما، هذا الطرح لا يعني أن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط سليمة، بل هي تمارس التخبط في الملف الفلسطيني، وحتى في منطقة الخليج فيما يتعلق بإيران فهي ضائعة منذ ثلاثة عقود، هذا كله شيء، والتكييف السياسي والقانوني لوجودهم في العراق على أنه احتلال، شيء آخر، وفق مجريات الاحداث الملموسة على أرض الواقع.
كلمة أخيرة:
مشكلة العراقيين ليست مع الغرب، بل بينهم، وما لم ينجحوا في نزع أسباب الاحتقان ويتوقفوا عن التعامل مع الدولة على أنها غنيمة حرب، فإنهم لن يصلوا الى بر الامان، وبالتبعية ستكون المنطقة العربية بأسرها رهينة لهذا الصراع الدموي الفتاك.