فيصل عبدالعزيز الزامل
دخل د.شاكر مصطفى على المدير العام للهجرة العميد أحمد الوهيب عام 1995 طالبا أن تكون إقامته على ابنته، بعد أن تجاوز السبعين، وكان قد أمضى أكثر من عشرين عاما من العمل في الكويت مدرسا في الجامعة ومشرفا على توثيق التعليم..الخ، رفض العميد الوهيب قائلا «القانون يسمح لأمثالك بألا يكونوا تحت كفالة أحد، أنت كفيل نفسك» تأثر الرجل كثيرا بهذه اللفتة، حسبما سمعت منه مباشرة، يرحمه الله، وقبلها كان د. حسان حتحوت قد أمضى 26 عاما في الكويت، طبيبا للولادة وأستاذا في الجامعة، ثم قرر الهجــرة إلى الولايـــات المتحـــدة، قال لي يرحمه الله «جاءني اتصــال مـــن مكتـــب الشيخ سعد، يرحمه الله، يخبرني بأنه يريــــد رؤيتي وحدد لي موعدا للقائه، وقــد فاجأني بانزعاجه لتركي الكويت، ورفضه البات لمغادرتها بعد هذه الخدمة الطويلة، فلمـــا عـــرف السبب سكت قليلا ثم رفع يده قائلا، هذا شيء آخر، لا أستطيع منعـــك من التفرغ لخدمة الإسلام فهـــذا عمل جليـــل، ولكن لا تتـــردد في العودة إلى بلـــدك متى ما شئت، مع أطيب التمنيـــات بالتوفيــق».
لم ينس د.حسان أبدا تلك المبادرة الكريمة، وعندما حدث العدوان الآثم على الكويت قام بترتيب لقاء حاشد في كاليفورنيا حيث كان يقيم، شاركت فيه 16 جمعية إسلامية، وأصدر الاجتماع بيانا واضحا لا يحتمل التأويل، يطلب من العراق الانسحاب من الكويت فورا، وعندما ترددت إحدى الجمعيات واشترطت إضافة «مع مطالبة الولايات المتحدة بعدم التدخل» قال لهم «متشكرون على رأيكم الكريم، لا داعي لأن تكونوا من الموقعين على البيان، نحن أمام مسألة حياة أو موت لشعب كامل» وقد سمعت هذا الكلام من شخص ليبي أوصلني إلى بيت د.حسان في لوس انجيليس صيف عام 1991، فلما سألته هو عن هذه الحادثة أعادها علي بنفس التفصيل، يرحمه الله.
مناسبة هذا الحديث هي مبادرة وفاء جديدة من أهل هذا البلد في حق الشيخ محمود عيد يرحمه الله الذي قضى في الكويت أيضا أكثر من 20 عاما في عمل إسلامي جليل ترك آثارا طيبة في المؤسسات المالية الإسلامية، وقد انتقل الى رحمة الله ليلة 27 من رمضان وتم دفنه في الجمعة الأخيرة من الشهر الفضيل في جنازة مهيبة عكست لمحة وفاء من هذا البلد الطيب، ما دعا أسرة الفقيد إلى نشر إعلان شكرت فيه الكويت وأهلها، وبيت التمويل الكويتي الذي لم ينسه في مرضه بعد أن عمل فيه إبان صحته، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي استضافت المعزين.
كلمة أخيرة:
قال يحيى بن جعفر البرمكي: «لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل البخاري من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته هو فيه ذهاب للعلم» وهي لفتة كريمة من رجل ذي فضل، وقد جاء في الأثر «إنما يعرف الفضل لأهله ذووه» أي انه لا يجحد ذا علم وقدر إلا قليل العلم والقدر، والعكس صحيــح.
وهي مناسبة لاستذكار الشيخ سعد العبدالله، يرحمه الله، ومبادرته سالفة الذكر بالعرفان والشكر، ولكل من قدم مثل مبادرته من أهل هذا البلد الكبير بأهله، وبمبادراته الطيبة.