فيصل عبدالعزيز الزامل
سألت أحد المشتغلين بالعمل التنموي عن سبب اهتمامه به فقال: «لدي اعتقاد راسخ بأن فتح مصنع يوفر العمل لألف امرأة في مجتمع فقير يعني فتح ألف بيت، ومع تكرار فتح المصانع وزيادة فرص العمل الشريف فإننا نضيق الخناق على تجارة الدعارة، ونقلل ظاهرة أبناء الشوارع..الخ، فقد ثبت أن أبرز أسباب الانحراف في المجتمعات الفقيرة هو الفقر، لا تكتف بتقديم النصائح، وفر للناس البدائل».
تذكرت هذه المحادثة بعد قراءة كلمة الشيخ د.محمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية التي ألقاها في نيويورك وجاء فيها: «إن أقوى وأبلغ وسيلة للتواصل مع المجتمعات الفقيرة بهدف تحصينها ضد استغلال المنظمات الإرهابية هي السماح لمؤسسات العمل الخيري بالعودة إلى تلك المجتمعات والعمل بقوة وحمايتها من السقوط في أيدي العناصر الإرهابية» هذه نصيحة ثمينة من الشيخ د.محمد الصباح، وموقف ثابت منه لا ينسى تجاه مرفق تميزت به الكويت على المستوى العربي والإسلامي، قال عنه د.محمد الصباح: «إن الجمعيات الخيرية الكويتية رائدة في الوصول إلى مجتمعات وقرى في أدغال افريقيا، وحققت لها الحماية من أن تكون مرتعا للأعمال الإرهابية ومنبعا لتمويلها – بشريا – ولهذا فإن محاربة هذه الجمعيات الخيرية وتقليص عملها يخلق فراغا قد تتولى سده الجماعات الإرهابية، علينا أن نتكاتف لمكافحة الإرهاب بتجفيف المستنقع الذي يستمد منه قوته، وهو العوز والحاجة عند المجتمعات الفقيرة» انتهى.
لقد جاءت كلمة وزير الخارجية الكويتي التي ألقاها أثناء الاجتماع السنوي بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون ونظيرتهم الأميركية في توقيت مناسب جدا للولايات المتحدة التي تخوض حربا مع الإرهاب طال أمدها بغير تحقيق تقدم يذكر، ما يؤكد أن «أهل مكة أدرى بشعابها» وأنه لا غنى لها عن التعاون مع دول المنطقة ومنظماتها الرسمية والأهلية لوضع حد لهذا النزيف الذي أنهك شعوب المنطقة، وجيوش العالم بغير طائل، من جانب آخر نعتقد أن استمرار تواصل الجهات الرسمية مع الجمعيات الخيرية والإشراف عليها عن كثب هو أمر هام، بالنظر الى أن المجتمعات العربية، وفي الخليج بشكل خاص، قد جبلت على الإنفاق في أوجه الخير، وقد أظهرت إحصائية لأوجه الإنفاق الاستهلاكي في ميزانية الأسرة بالكويت أن 67% من الأسر الكويتية تخصص جزءا من دخلها للإنفاق الخيري، وبغير وجود قنوات صرف آمنة وتحت إشراف الدولة فإن هذا الصرف يكون معرضا لمخاطر من كل نوع.
الحقيقة كانت كلمات الشيخ د.محمد الصباح بلسما على جرح التشكيك الذي يحلو للبعض ممارسته على الدوام، في حق «كل شيء وكل مجهود وكل جهة «كما كان خطابه للسلطات الأميركية مليئا بالصراحة والصدق، حيث قال لهم:
- - تحتاج الولايات المتحدة إلى خلق نظرة ايجابية في العالم الإسلامي للطرح الجديد الذي يتبناه الرئيس «اوباما».
- - إغلاق معتقل غوانتانامو الذي يشكل نقيضا لجميع القيم الأميركية التي تدعو الى العدالة.
- - كسب عقول وقلوب الشعوب الإسلامية عن طريق التعاون معها وتقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات الفقيرة فيها.
شكرا بوصباح، وهذه ليست المرة الأولى لكم التي تنسجم فيها دولة الكويت مع نفسها، ومع شعبها، فقد جاءت كلمة صاحب السمو الأمير الضافية في العشر الأواخر باكورة لتلك السياسة الحكيمة، فجزاه الله عن الكويت وأهلها خيرا، وجعل عهده خيرا وبركة على هذه البلاد.. اللهم آمين.
كلمة أخيرة:
من الأخطاء الشائعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطل حد السرقة في عام الرمادة، فقد رفع إليه أمر غلامين يعملان عند رجل لم يكن يطعمهما فسرقا، ولما مثل الرجل بين يديه نهره، وأمره بإطعامهما، قائلا: «إن سرقا قطعت يدك أنت»... وهو يماثل المبدأ القانوني المعروف «المسؤولية التقصيرية للمتبوع عن فعل التابع».