أرجو ألا يتحول الحديث حول الأهداف الكريمة للمواطنين الـ 26 الذين قاموا بمبادرة يشكرون عليها، ويتجه الكلام نحو «من تمثلون؟ ولماذا تذهبون؟»، فالقضايا التي طرحوها مهمة جدا بعد أن صار القلق على مستقبل الكويت هاجس الجميع، فلهم كل الشكر.
الجميع قلق من انتشار الفساد الذي تتحدث الدولة عن مكافحته، ومع ذلك فهو يستشري في الأروقة الحكومية التي تعاني من ترهل في قاع السلم وتردد وخوف شديد في أعلاه، بمشاركة كاملة من النواب في مسؤولية هذا الترهل ـ باعترافات علنية من بعض النواب ـ ما يجعل مناشدة الدولة القيام بواجبها مسألة غاية في الأهمية، وقد جاء طرح الاخوة أصحاب المبادرة صائبا في «تدمير قيم العدالة والمساواة والعمل والإنتاج»، وإذا جاء الانزعاج من بعض النواب فهو مؤشر لمسؤولية هذا البعض عن هذا الخلل، ولو أن الطرح كان موافقا لممارساته لما اعترض على مبدأ لقاء مواطنين بقائد الدولة المعروف بقربه الشديد من شعبه، وحرصه على التفاعل مع طموحات الناس ومشاركته لآمالهم وآلامهم. نعم، من حق المواطنين أن يقلقوا على حاضرهم ومستقبلهم، وأن ينقلوا ذلك إلى القيادة الحكيمة، فقد قرأت يوم أمس تقريرا إخباريا عن ندرة مياه الشرب في صنعاء، فقد كتبت هايلي سويتلان: «..تعمد النساء إلى جمع المياه التي استخدمها أفراد الأسرة في الاستحمام لاستعمالها في غسل الملابس، ثم يعدن استخدامها لأغراض منزلية أخرى مع أن لونها صار داكنا بلون الشيكولاتة أو الحليب، وعندما سألتهن عن السبب قلن: لا تصلنا المياه إلا كل عشرة أيام، ماذا نفعل؟»، هذه المعاناة بدأت في الزحف على أكثر من بلد في الشرق الأوسط ولم تستثن العراق صاحب النهرين والثروة النفطية الهائلة، وإذا كان النفط اليوم يتدفق في الكويت، فإن الجميع يعلم أنه ناضب خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن، وأن بناء قطاع اقتصادي بديل يتطلب عملا يستغرق عشرين عاما أو أكثر بجد واجتهاد حتى تستطيع الدولة توفير الحياة الكريمة لشعبها في غياب أو تناقص الثروة النفطية، وهو ما لا يمكن الكلام عنه في ظل الوضع الحالي.
لقد اكتشفت «النرويج» النفط بأراضيها في الثمانينيات وقررت عام 1991 إنشاء صندوق للأجيال على غرار التجربة الكويتية، ولكنها لم تستقطع 10% من دخل النفط لهذا الصندوق، بل 100% من إيرادات النفط تذهب إليه، بالنظر إلى أن نظامها الاقتصادي قد استقر على تمويل الخزانة للدولة عبر نظام ضريبي متقن، ما يشير إلى وجود قطاع شركات ذات دخل منتظم يغطي 60% من تلك الاحتياجات والباقي يسهم به المواطن، الأمر الذي لا يعني معه نضوب النفط أي تهديد لمستقبل هذه الدولة.
كلمة أخيرة:
بعض النواب انزعج من طرح المبادئ الكريمة التالية:
- ـ ضرورة الموازنة بين الحقوق والواجبات في علاقة المواطن بالدولة.
- ـ المواطنة هي الأساس في مكونات الدولة «وليس الارتباط الفئوي، أيا كان مسماه».
- ـ التحذير من ضعف هيبة القانون وسهولة اختراقه.
- ـ ضرورة تصحيح مفهوم «اقتسام الثروة» المدمر، من خلال تشريعات أو قرارات حكومية.
- ـ الفهم الخاطئ لمعنى «قرارات شعبية» أدى إلى تدمير مبدأ المساواة بين المواطنين.
- ـ أهمية إحياء قيم العمل والإنتاج، والقيام بخطوات جادة في هذا المسار.
انزعاج البعض ليس من مبدأ زيارة صاحب السمو الأمير، يحفظه الله، ولكن من طرح هذه المبادئ، وتفضيله إنهاك الدولة إلى أبعد الحدود، وهو أمر لا يعكس الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتق هذا البعض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلف الفضول، وما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت»، كان لقاء مروءة.. تعاقد فيه القوم على ألا يجدوا بمكة مظلوما إلا نصروه وقاموا معه.