أعتقد أن «برنامج العمل هو مشروع دولة حتى إن طرحته الحكومة، بالنظر إلى أن حكومات سابقة طرحت أجزاء منه» وليس من العدل في حق حاضرنا ومستقبلنا أن نخنق أنفسنا بأيدينا، فهذا البرنامج طموح ومحفز، ويكفي أن ننجح في تحقيق نصفه أو حتى أقل من ذلك كي نقلب التراجع إلى تقدم، والخوف الى شجاعة، والشك الى يقين.
قال لي محدثي: أنت متفائل جدا، ألا ترى اللصوص كيف يجيرون كل حركة لصالحهم، هل نسيت سرقة الاستثمارات الخارجية؟
قلت: يجب أن نفرق بين السرقات وأخطاء العمل، وإذا تركنا الخوف يسيطر علينا فإننا سنخلط بين «العامل بجد واجتهاد الذي إذا أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» وبين «السارق الذي يبحث في كل مشروع عن فرصة ينهب بها أموال الدولة» لا يجوز أن نخلط بين الاثنين، هذه جريمة بحق الشرفاء لا تقل عن جريمة السارق في حق الوطن.
قال: كيف نضمن ألا يتكرر ذلك السيناريو؟
قلت: إذا كنت تقصد من هم في مستوى القيادة، فإني أذكرك بالشيخ عبدالله السالم، الذي فتح خزائن الدولة للناس، ولم يؤثر في نفسه تدفق تلك الثروة في عهده، واليوم هو يتربع في قلوب أجيال تتلوها أجيال، هل تعرف حجم الفرق بين من يملأ الجيوب ومن يملأ القلوب؟
قال: كلام نظري، أسألك كيف تضمن عدم حدوث السرقات؟
قلت: اسمع، ضعاف النفوس لم يخل منهم بلد في كل زمان، وأكثر ما يغري هؤلاء ويشجعهم هو أجواء الفوضى والهرج، وهم يتناقصون إذا استقرت الدولة، ورسّخ الشرفاء أقدامهم في كل زاوية منها، ويختفون تماما إذا غيرنا حالنا السابق الذي لا ينال فيه الطعنات من السياسيين إلا نظيف اليد، ان سؤالك «من يضمن؟» مرهون بترك النظيف يعمل، بل دعمه.
قال: والله احنا خايفين نصدق ان الدنيا لاتزال بخير فينتشر السلب والنهب.
قلت: نحن حاليا نشتكي من السلب والنهب، هل تريدنا أن نتحرك للتغيير أم نستسلم؟
قال: لا أحد يرضى بالاستسلام.
قلت: قرأت ذات مرة عن مقارنة بين نفسية الناس بالمجتمع الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ونفسيتهم في المجتمع الأميركي، في المجتمع الأول يسيطر الشك المطلق، وفي الثاني يتغلب حسن الظن عند الناس وبإفراط، فلا يتشككون في المراجع عندما يعيد شيئا اشتراه، ولا يقلبون النظام لأن مشتركا في شركة الهاتف سافر ولم يسدد فواتيره، مثلما يحدث في دول تعقد الأنظمة يوما بعد يوم بعد كل حادث فردي، فتزداد الخسائر ويقل المردود، نحن في الكويت أخذنا من المجتمع الشيوعي هذه النفسية، الشك في كل شيء وبالمطلق، صرنا مثل رجل الأمن الذي يعيش حالات الجرائم والانحراف والرذيلة طوال النهار والليل بحكم موقعه، حتى ان بعضهم يتعامل مع أهل بيته بشيء من الريبة في كل شيء، بسبب طبيعة عمله، ومثله موظف البنك الذي ساءته كثرة حالات التهرب من السداد والنصب، ولم يتمكن من التفريق بينها وبين الشرفاء الذين يعملون بصدق ويتعرضون لظروف المعاملات الطويلة والمملة في الدولة، فيحشرهم مع النوع الآخر.
قال: يعني؟
قلت: آن الأوان كي نغير ما بأنفسنا، حتى يتغير ما حولنا، وأن نجعل الرقابة سلاحا لمنع السرقة لا لملاحقة الشرفاء، وأن نثق في الله أولا، ثم في قدرتنا على التغيير.
كلمة أخيرة:
تقول سنن الحيـــــاة انه لا سكون، إما أن نتقــدم أو نتــــــأخر (.. لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر).