يقال.. «كثير من الذين يتقاعدون عن العمل يصابون بحالة من تناقص العطاء بشكل تدريجي، كونهم اعتادوا على نمط محدد من الحياة لأكثر من ربع قرن فإذا لم يحسنوا عبور هذا المنعطف وتحقيق التغيير بشكل جيد فإنهم يكونون عرضة لإحباط نفسي ينغص عليهم حياتهم».
سمعت هذا الكلام، وهو ينطبق أيضا على «بعض» الموظفين حتى قبل بلوغهم سن التقاعد، حينما لا يصاحب عملهم إنتاجية حقيقية تفرغ طاقات الإبداع الإنساني الكامن في كل منهم، فهم يعيشون حالة بطالة مقنّعة، وحالة تقاعد غير رسمي.
تخيل حدوث العكس، حينما تطرح الدولة المشاريع وتفتح فرص الاستثمار لمتوسطي الدخل فيخوضون غمار تحديات الحياة بنفسية متوثبة، تفيض بالطموح، سمعت منذ أيام قلائل عن إخوة متخاصمين بطريقة العناد، يلاحق بعضهم بعضا على سيارة كانت مسجلة باسم أحدهم على حياة أبيهم، رغم أن نصف عمرها قد انتهى، إلا أن الفراغ فتنة وهم في «حيص بيص» بسبب تلك السيارة ظاهرا، وقلة فرص العمل حقيقة، قلت لمحدثي: لو أن في البلاد ضجيج مشاريع وفرصا وأعمالا صغيرة ومتوسطة وكبيرة، لما وجد أي من هؤلاء الإخوة وقتا للمشاجرة، ولقال لمن يسأله عن مصير تلك السيارة «خلصونا، أنا مشغول بالمصنع، أو المستشفى، أو شركة خدمات نقل».
نعم، الشخص الذي يخوض حياة فيها رسالة ويحمل في صدره قضية يختلف تماما في بنيته الجسدية والذهنية عن «القواعد من الرجال» فهو ينام ساعات أقل، وينهض من فراشه بخفة ونشاط، لأن تحديا يستثير فيه قدرات ذهنية كامنة لا تتكشف في حال الاسترخاء، وغياب التحديات كما يحدث مع كثيرين ينهضون من سريرهم متثاقلين يبحلقون أثناء سيرهم فيما يشبه العدمية فهم مشغولون طوال النهار، رايحين جايين وراء مسائل مشتتة، بغير قضية واحدة فيها إنتاجية حقيقية، يتحدثون بكثرة في كل اتجاه بغير تركيز، أما صاحب الهدف الواضح والتحدي الصارخ، فعيناه ثابتتان على نقطة واحدة وكل جوارحه مسخرة لبلوغها، لسانه يتحدث بكلام يقصد ذلك الاتجاه، قدماه تسيران في ذلك الاتجاه، يداه تشيران إلى ذلك الاتجاه، لهذا يحقق هؤلاء أهدافهم وينجحون، لأنهم يطبقون نظرية الإدارة بالأهداف m.b.o، ويديرون حياتهم بتحديد وتسمية تلك الأهداف، الواحد منهم يتصور نفسه بعد خمس سنين وقد حقق كذا، وأضاف إلى الحياة كذا، وتطور في مدارج الدنيا بقدر كذا، هذا «التصوير الذهني» هو المقدمة للترجمان الفعلي الى واقع في حياة أمثال هؤلاء... كن منهم.
كلمة أخيرة:
قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه «لقد أوتيت نفسا تواقة – طموحة - كلما بلغت مرتبة تاقت إلى التي تليها، وما أراها اليوم إلا وقد تاقت إلى الجنة».