تحدثت مع ابنتي فاطمة عن بحث دراسي طلب منها إعداده، كان موضوعه «المريض الغائب عن الوعي منذ سنوات، حياته مرتبطة بأجهزة، هل يجوز إنهاء حياته، لعدم وجود أمل في تحسن حالته؟»
قلت لها: نحن نؤمن في ديننا الإسلامي بأنه «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...» وفي المقابل فإنه إذا لم يمت فإن عمله لا ينقطع، ونعلم من ديننا أن من حيل بينه وبين عبادة كان يؤديها أو عمل بر كان يمارسه بشكل معتاد، فإن هذا الانقطاع القسري لا يوقف احتساب الأجر له، قال صلى الله عليه وسلم أثناء مسيره إلى تبوك «لقد خلفنا في المدينة أقواما، ما صعدتم صعدا ولا هبطتم واديا إلا كتب لهم من الأجر مثلما كتب لكم، ذلك أنه حبسهم العذر».
بهذا المعنى، فإن من نقول عنه إنه شبه ميت وبأنه في غيبوبة، هو في الحقيقة لايزال يجمع حسنات كثيرة مادام الهواء يتردد في صدره، بحسب ما كان عليه أمره في حال الصحة والقدرة البدنية، فلماذا نحرمه من الاستزادة، ليس من ثلاث فقط، بل ثلاثين وربما أكثر؟!
قالت: «وهل يغير كونه في غيبوبة شيئا من ذلك الاحتساب له؟».
قلت: «لا، وبمناسبة الحديث عن الغيبوبة، قرأت الأسبوع الماضي في جريدة الشرق الأوسط الخبر التالي: مريض الغيبوبة البلجيكي كان واعيا منذ 23 سنة».
يقول الخبر: تم إجراء مسح دماغي قامت به «جامعة لياج» في بلجيكا لمريض تعرض لحادث سيارة عام 1983، عمره الآن 46 سنة، أعلن الأطباء أنه في حالة خمول دماغي وعصبي، إلا أن المسح أسفر عن تواصل معه عن طريق لوحة مفاتيح خاصة متصلة بالسرير، ومما قاله المريض حسبما نشرت مجلة «دير شبيغل» «لقد صرخت، ولكن لم يسمعني أحد»، وانتهى الخبر إلى أن 40% من المرضى الذين يعتقد انهم في حالة خمول دماغي يمكن أن يكونوا على الأقل في حالة وعي جزئي.
قالت: «ماذا عن الإقامة الطويلة في المستشفى؟».
قلت: «من الأفضل أن ينتقل هؤلاء إلى منازلهم إذا سمحت حالتهم الطبية بذلك، وأن تصرف وزارة الصحة 200 دينار شهريا، أجرة ممرض خاص مع اللوازم الصحية، لأن بقاءه في المستشفى يكلف الوزارة 200 دينار في اليوم، وليس في الشهر، ويحجز الغرفة عن مريض آخر، والأهم أن البقاء الطويل لمن لا يحتاج طبيا، في العناية المركزة قد يكون ضارا بالمريض نفسه، نظرا لضعفه البدني وسهولة التقاطه للميكروبات التي لا يخلو منها مستشفى، بل تكون في المستشفيات أكثر منها في البيوت».
قالت: «ماذا عن أسرة المريض؟».
قلت: «هذا المريض، بالنسبة لأقاربه وأبنائه هو كنز من الأجر والمثوبة، فقد لا يستطيعون زيارته إذا توفي وواراه التراب هناك في المقابر، ولكنه اليوم بينهم، ربما يشعر بهم، وحتى إن لم يشعر بهم، فهناك من يرى ويسمع، جاء في الحديث الشريف «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده..) رواه مسلم.
كلمة أخيرة:
قرأت خبرا عن رجل إنجليزي كان يسأل إدارة المستشفى عن المرضى الذين لا يزورهم أحد، يقترب منهم ويستأذنهم لمجالستهم والحديث إليهم، فإذا سمحوا له، قضى معهم وقتا طيبا، بالمحادثة الهادئة والمؤانسة، يقول عن ذلك «مرضت لمدة شهرين ولم يزرني أحد، كنت أتمنى أن يتوقف أحد الزوار عند سريري لبضع دقائق، فلما خرجت من المستشفى قررت أن أعمل ما كنت أتمنى من الناس أن يفعلوه لي».