قال: قررت أن أتعرف على الحياة النيابية من شرفة الصحافيين، كانت تجربة مميزة استغرقت ثلاثة أشهر.
قلت: ماذا فعلت؟
قال: كنت أحضر الجلسات مع بقية الصحافيين، حدث ذلك قبل بضع سنوات، وكانت في يد أحدهم رزمة من جوازات السفر الأجنبية، سألته عنها قال: الآن تعرف، وعندما مر الوزير المختص التقاه الصحافي وطلب منه السماح بمنح أصحاب تلك الجوازات إقامات باستخدام صلاحية الاستثناء التي لديه، التفت الوزير إلى مرافقه قائلا «خذهم وخلص موضوعهم».
قلت: يستفيدون من موقعهم لانجاز معاملاتهم، وربما بمقابل.
قال: أكثر من ذلك، قال لي أحدهم: لو عرض علي رئيس التحرير أن أجلس مكانه وأرأس التحرير لما وافقت، فمن موقعي هذا استطعت أن أستقدم جميع أقاربي ومعارفي، وأن أحصل لهم على أحسن الوظائف.
قلت: وماذا أيضا؟
قال: لا تتصور مدى هيبة المسؤولين منا، جميعهم يتوقفون عندنا عند دخولهم القاعة، بعضهم يقول: «عساكم راضين علينا؟» والآخر يمرر لنا تصريحا ويطلب إضافة صور معينة مع مانشيت ساخن، ونحن نلبي طلباتهم بالطبع، ونحصل على ما نريد بكل سهولة.
قلت: ماذا عن اللجان؟
قال : ذات مرة كنت أغطي اجتماع إحدى اللجان لاحظت أن نائبا له ثقله خرج من الاجتماع ولم يهتم به أحد، وعندما خرج آخر لا يحمل نفس الوزن السياسي رأيت كل الصحافيين المتواجدين في الاجتماع قد تدافعوا خلفه، سألت أحدهم «اشمعنى؟» فقال: الأول لا يدفع والثاني يدفع لمن يهتم بتصريحاته.
قلت: ما الحل؟
قال: لا يوجد حل ما دمنا لا نفرق بين المبدأ وسوء تطبيقه، حرية الصحافة شيء وهذه المتاجرة شيء آخر، ولكن! انتهى.
نعم، الطرفان شريكان في هذه الممارسة، الحكومة وبعض النواب، ولو أن تغطية الجلسات اقتصرت على فتح الأبواب للجمهور بغير كاميرات صحافيين ولا تلفزيونات، وتم نشر المضابط للمهتمين عبر جريدة المجلس وموقعه الالكتروني لتخلصنا من هذا الوسيط (....) وأيضا خلصنا النائب من ضغط الوسيط عليه، الذي يملك أن يلمع فلانا ويحجب عن فلان، ولتفرغ النواب لعملهم، بل قللنا تلك المشاهد المخجلة التي شاهدها الناس الأسبوع الماضي تتصدر الصحف، طبعا هذا التصحيح لن يكون مقبولا من الوسطاء ولهذا فسوف يستثيرون علينا من لا يدرك خطورة هذه الممارسة على بلد صار يدار من قبل عدد قليل من الصحافيين الذين يملكون أن يحركوا هذا الملف ويدفنوا ذاك، هل هذا ما نريده لأنفسنا ولوطننا؟!
كلمة أخيرة:
قال لي الأستاذ خليل جهشان، الرئيس السابق للمنظمة الوطنية للأميركيين العرب في واشنطن: «حاولت عدة مرات أن ألتقي بأحد أعضاء الكونغرس الأميركي لشرح قضية محددة له، كان مكتبه يرفض السماح لي بلقائه، ذات يوم رتب حفل جمع تبرعات لصالح حملته الانتخابية، اشتريت تذكرة دخول بخمسمائة دولار فقط، كان العضو يصافح الحاضرين بحرارة ويتحدث معهم بمرح، وتعارفنا بشكل جيد، بعدها كلما رأيته في أروقة الكونغرس هتف لي من بعيد «خليل، هل تريد أن نلتقي؟» يتابع خليل قائلا «بخمسمائة دولار حققت كل ذلك، ترى ماذا يفعل هذا العضو للذين يدفعون الملايين لحملته »؟