الأهم من الأموال التي أنفقت لاستصلاح موقع مدينة صباح الأحمد هو تلك الهمم الناشطة والرؤية المبكرة في إمكانية إنشاء مدينة على أرض سبخة، تحولت إلى مجتمع متكامل صالح لمعيشة 45 ألف نسمة، مع استحداث سواحل إضافية بطول 84 كيلومترا، لم يكن ذلك ليتحقق بغير قدرة غير عادية على مواجهة التحديات الروتينية والتمويلية والإدارية، وهو ما تميز به شخص اسمه خالد المرزوق، وأستطيع أن أسجل هذا الرأي اليوم هنا في جريدة «الأنباء»، مثلما سجلته في جريدة القبس عام 1993 بغير مجاملة لأحد، ولكنها الحقيقة فقد سبقت الكويت غيرها في التفكير وتأخرت في التنفيذ، ولكن في النهاية تحقق الحلم، وهذا هو المهم.
هذا النوع من الانجازات يحتاج الى رجال ميدانيين، وقادة من نوعية الأمير الراحل جابر الأحمد الذي أصر على حضور افتتاح مشروع «ايكويت» رغم أنه وافق يوما مطيرا، ورفض اقتراح الاكتفاء بمن يمثله قائلا «ما أغيب عن مثل هذا المشروع، إلقاء كلمة قصيرة وقص شريط هو شيء رمزي، حضوري دعم حقيقي، ولن أتخلف عنه» وهو، يرحمه الله، الذي نظر من سيارته يوما الى أرض الخيران السبخة قائلا: «أليس فيكم من يتصدى لهذه الأرض فيحولها الى مدينة، هذا مشروع يحتاج الى همة عالية»، وقعت هذه الكلمة في أذن السيد خالد المرزوق، وشعر بأنه المقصود بهذه اللفتة الكريمة فشمر عن ساعديه، وكافح لمدة 20 عاما حتى حقق حلم الأمير الراحل، هذا الحلم الذي حظي بدعم الأمير الوالد، يرحمه الله، الشيخ سعد العبدالله، وتبنٍ كامل من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، يحفظه الله.
قال الأخ فواز المرزوق «يبلغ طول شواطئ الكويت من قصر دسمان الى الحدود الجنوبية 120 كيلومترا، وقد استحدث المشروع 84 كيلومترا إضافية»، وهو انجاز بيئي وسياحي ذو أهمية كبيرة تكلف «285 مليون دينار و320 مليون دينار للمرحلتين الأولى والثانية، ومتوقع أن تتكلف الثالثة 350 مليون دينار» وأتذكر الآن مشروع مجمع المثنى في شارع فهد السالم الذي حول مدرسة مهجورة الى متنفس سياحي للمتسوقين منذ أكثر من 25 سنة، حيث واجه المشروع انتقادات متعجلة، ولولا أنه نفذ لتعطلت الفائدة منه لمدة ربع قرن، الشيء نفسه يقال عن مشروع القرية المائية الذي تعرض أيضا لعرقلة، وكتبت عنه يومئذ ـ رغم أني لم أدخل إليه، ولم أتشرف بمعرفة أحد من القائمين عليه ـ ولكن بعد أن أنجز، استوعب المصطافين في الكويت من مقيمين ومواطنين، ترى من المستفيد من تأخير تنفيذ هذه المشاريع؟! لا أحد، والمتضرر هو المجتمع بأسره.
المكالمة الوحيدة التي تمت بيني وبين السيد خالد المرزوق، يحفظه الله، كانت منذ 16 سنة حول مشروعه الجريء، قال فيها «هناك 14 موقعا في الكويت صالحة لتنفيذ مثل هذا المشروع، بدلا من العرقلة أطلقوا حزمة مشاريع، الدولة تستفيد ماليا واقتصاديا، المواطن يجد خيارات متعددة للسكن والترويح، الشركات تجد فرصا للعمل والاستثمار»، واليوم أثبت بووليد أنه رجل أفعال، وجاء اليوم الذي كان يتطلع اليه هو، ونحن معه، ومن حسن الطالع أن يتوافق ذلك مع تحفز الكويت لانطلاقتها الكبرى في دنيا مشاريع البنية الأساسية لكويت المستقبل، فقد بنى الجيل السابق كويتنا التي نعمنا بخدماتها نصف قرن، وعلينا أن نبني للجيل الحاضر والقادم شيئا يذكروننا فيه بخير.
كلمة أخيرة: في لقاء تشرفت فيه بمقابلة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد مع د.خالد المذكور ود.عبدالله الشيخ، وافق أحداث تصعيد سياسي محلي روتيني، قلت يومها «عندما تنطلق مسيرة المشاريع ويجد كل صاحب همة وطاقة مجالا للتعبير عن طاقته يترك كثير من الناس الجدل، ويتجهون الى العمل ليس للعائد المادي فقط ولكن للتعبير عن تلك الهمم والطاقات» ولن أنسى رد الرجل الحكيم، قال بكلمات معدودة «ما قاله الزامل صحيح» أسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته يا بومبارك.