منذ نصف قرن انتشرت في الاعلام العربي مقولة «الذهاب الى إسرائيل خيانة للقضية الفلسطينية» وتم ختم جوازات سفرنا «صالح لزيارة جميع الدول ما عدا إسرائيل»، وكانت هذه هي أكبر خدمة قدمناها لأمن إسرائيل تجاه محيط بشري كاد أن يغرقها، وهي المسألة التي تعاني منها أوروبا اليوم رغم أن كثافة دولها بعشرات الملايين، ماذا كان يمكن أن يحدث لأقل من مليون يهودي في فلسطين قبل نصف قرن لو انتقل إليهم عرب الخليج بأموالهم فبنوا مساجد جديدة وحافظوا على القديمة في حيفا وعكا والقدس؟
ماذا كان سيحدث للاقتصاد الإسرائيلي اذا كانت الفنادق والمجمعات السكنية مملوكة للعرب، وتمتلئ مدنها بشركات عربية مثلما يحدث في لندن وباريس؟ وكنتيجة لهذه الكثافة البشرية واللوجستية، هل كان عرب فلسطين سيكونون بهذا الضعف، عمالة رخيصة وربات بيوت يدافعن سيارات «كارجو» مدججة بالسلاح تقتحم أراضيهن الزراعية؟
لقد كان الرعيل الأول من بناة إسرائيل في غاية الخوف من هذه المسألة فخدمتهم سهولة اختراق العقل العربي عبر كتاب يهود المولد واللسان، تصدروا صحفنا كرموز للعمل الوطني العربي في بلادنا، يسافر الواحد منهم إلى إسرائيل – مثل ايلي كوهين، واسمه المزيف هو كمال ثابت ولد في الإسكندرية عام 1924 من أسرة يهودية مهاجرة – فإذا وصل أمثال كوهين، وما أكثرهم، الى تل أبيب عبر قبرص أو باريس التقى بالموساد وشرح لهم ما يجري في مصر أو العراق ثم يرجع إلينا بشخصيته الثانية، الكاتب المشهور ـ مثلا ـ يسري مصطفى أو قاسم سليم، بينما كان اسمه الحقيقي في إسرائيل «ايساف عامير» وهو شيء لا يتصوره من يقرأ مقالاته في «الأهرام» أو أي صحيفة عراقية أو لبنانية، واذا تحدثوا «مين ده يسري مصطفى؟» جاء الجواب «من البحيرة، أو المنصورة، أو البصرة... الخ» ليس أسهل من اختراقنا ثقافيا وإعلاميا، ويستمر هذا وأمثاله يهدد ويندد بالسفر الى إسرائيل «هذه خيانة للكفاح العربي وطعنة في ظهر القضية الفلسطينية»...الخ. اليوم انكشف ذلك الدجل وانتشرت مقولة جديدة وناضجة تقول: «زيارة فلسطين هي بمثابة زيارة السجين، هل يقول عاقل بأن الزيارة هي للسجان؟».
هذه المفاهيم الدسيسة خدمت أمن إسرائيل، ومثلها تلك النظرة السلبية لعرب 48 على مدى عقود منذ عام 1948، كان الاعلام «الدسيسة» يصفهم بأنهم نصف خونة لقبولهم حمل الجنسية الإسرائيلية رغم أنهم مضطرون لذلك بحكم بقائهم في فلسطين، والأهم من ذلك أن وجودهم قد ثبت الهوية العربية والإسلامية في فلسطين، ولو استجاب هؤلاء لتلك الحملة «الدسيسة» وغادروا فلسطين لحققت اسرائيل أقصى ما تتمناه، عن طريق هؤلاء المندسين في عقول الشعب العربي والذين كشفنا بعضهم ـ ايلي كوهين ـ ولايزال العشرات منهم غير معروفين إلا بألمع الأسماء البراقة!
كلمة أخيرة:
نحمد الله على عودة سمو الشيخ سالم العلي سالما معافى، ونسأله سبحانه أن يديم عليه منة العافية، وأن ينفع برأيه السديد هذا البلد على نحو ما صرح به جزاه الله خيرا، حول نبذ أسباب الفرقة والحرص على وحدة الصف في ظروف حرجة تمر بها المنطقة على نحو غير معهود، لا نجاة منه إلا برحمة الله ثم بتكاتف الشعب ووعيه التام بما يدور من حوله.
[email protected]