فيصل الزامل
الفتـاة التي نشرت قصـتها الأسـبوع الماضي، بل الطفـلة ـ 13 عـامـا ـ التي دخل شقـة أسرتها حـارس العمارة، في غـياب الأسـرة، لتبـديل أدوات الإضـاءة المعطلة، واستغل معرفة الأسرة به، وكثرة دخوله شقتهم بحضور الوالد، بل وتناوله الطعام معه في الشقة.
هذه المرة، هجم الحـارس علـى الطفلة وهتك عرضـها، واليـوم هذه الطفلة هي أم لطفلة أخرى رضيعة، أمها في سن 13 عاما كانـوا يأخذونهـا إلى التحـقيقـات ويقف أمامـها الجاني، ويسـألونها، وهي لا تعي ولا تفهم أكـثر أسئلتهم، أبواها في صـدمة مـروعـة، الأب لم يتـقـبـل بعـد أن يربي الرضيـعة ضمن أسـرته، وهو يعيش في دوامة بين (وإذا الموؤودة سـئلت بأي ذنب قـتلت) وبين كلمة «مـولودة سفـاح» رغم أنهم قاموا بعمـل عقد زواج مع الجاني في الخفر، لإثبات النسب.
هذه الجريمة تتكرر في كل عـام، مرة أو أكـثـر، وتفـجع المجتمع، وربما ينسى المجتمع إلا أن الأسـرة المكلومـة لا تنسى، وضحـية الاغـتصاب تسـتمر فـي المعاناة حيث لا تتولى جهة ما إعـادة تأهيلها نفسيا للخروج من آثار الجريمة على شخصيتها، ونظرتها السوداء للحياة، وإذا وجدت أسرة تحسن التـصرف في بعض الحـالات، فإن الأكثر هم من يتـركون الضحيـة لمصيرها، فيزداد ضياعها.
صحيح أن جرائم الاغتـصاب منتشرة عـالميـا، إلا أن ذلك لا يمنحـهـا أي نوع من التـخفـيف، وإذا كانـت الحيـاة الغربيـة تجتاحـها الفوضى الاجتمـاعية، وتحطم دور الأسرة، فالحال ليس كذلك في بلادنا، فـالأسـرة لاتزال قـوية الأركـان، ولكنهـا بحاجة الى تضافر جهود المجتمع.
إن الجرم الـذي تهيـجه صـور الإغراء للفنانات وعارضـات الأزياء، وتحوله من طالب لقـمة عيـش شريف إلى حـيوان لا عـقل له، هذا الجـرم يشـتـرك مـعـه في الجريمة من حرضه عليها عبر تلك الصور الغرائزية.
صـحــيح ان في الغـرب مــجـلات متخصصة في عـرض الصور الفاضحة، ولكنـك في بلادنا، والـكويت تحـــديدا، مجبر على رؤية تلك اللقطات الغرائزية، دون حــاجـــة إلى شـــراء المجــلات المتخـصصـة في تلك الصور، والإنـسان العادي يشتري الصحف لمتابعة الأخبار العـامـة، فـإذا به يكون هدفـا، وسلعـة يبـيعـها المصـور ويشتـريها، بعـرض الأفـخــاذ والوجـوه والجلـسـات ذات الإيحاءات المشبوهة.
إن عـبارة «الإنسـان العادي» تشـمل العقـلاء، والبسطاء أو أنصاف العـقلاء، ممن لا يفكرون في العواقب، قد يكون هذا «الإنســان» فــردا أو «شلة» تتــآمــر لاختطـاف خادمة آسـيوية أرسلهـا أهل البـيت إلى فرع البـقالـة، فتنتـهي جثـة هامدة في الـصحراء، أو طفلة تلـهو عند سلم العـمـارة، فـتتـحـول إلى إنسـانة ضائعـة طوال حيـاتها تحـمل كل أنواع العقـد تجاه البشـر وتجاه نفسهـا، وقد كان ممكنا أن تنجو، وتتحـول إلى طبيبة تفــيـد النـاس وتنقـذ المـرضى وترعى المسنين، من هذا الذي حرمنا منها؟!
أيتها الصحافة، مارسي دورك في كبح هذه الجريمة عند المنبع، ولتتـحرك هيئة اجتماعية للمعالجة النفسية لضحايا هذه الحـوادث، وتعمل عـلى خفض الأضـرار، فإن الضحـية هي نصف ميتـة، وأسرتها شبه ضائعة، فإذا نجحت جهود الخير في إعانتهـا على تخطي هذه المرحلة، وأعادت الثـقة والابتـسامـة إلى وجه الضـحيـة، واجتازت بالأسرة الغيوم السوداء، لتصل بهـا إلى سمـاء صافـية من الكدر، تشـرق فيها شمس الأمل، والثقة بالغد الجميل.
إنها حـياة جـديدة، من بـعث فيـهـا الروح كان كـمن أحيا نـفسا بعـد موات، فكأنه أحيا الناس جميعا.