فيصل الزامل
الأكراد في العـراق، ودول الجــوار،ُُ عـاشوا مـعـاناة امـتدت حـوالي قـرن من الزمـان، كانت أقساها فـترة حكم صـدام للعـراق، ومع ذلك لم يمارسوا شـيئـا مما يجـري في العـراق هذه الايام من تنفـيس أحقاد إلى اخـتـراق خـارجي لـداخلهم وتوظيـفهم في الاسـتقطاب الإقليمي الذي يقطع أوصال العراق رويدا رويدا.
الأكراد الذين عاقبهم الغرب عندما سيطر على المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، لان «صلاح الدين» هو الذي أخرجهم منها، وهذا ليس تكهنا، بعد أن خـرجت تلك العبارة من فم الجنرال الفـرنسي «غـورو» في دمـشق: «ها قـد عدنـا، يا صلاح الدين» قـالهـا وهو يضع قدمـه على قبر صـلاح الدين، بعد ذلك وضع يده هو والسـاسـة «سـايس ـ بيكو» على سكين قطعت أوصال الشعب الكردي، ووزعـتــه على أربع دول في المنطـقـة ولم تقصـر الدول العربية «الجديدة» في تنفـيذ وصـيـة «غـورو» بالشــعب الكردي الذي تسامى فوق كل الجـراح، وقدم أرواح أبنائه في معـركة الشـعيـبة في العراق جـنبا الى جنب مع إخوانه الـعـرب في ثورتهم ضـد الإنجليز عام 1921.
المناطق الكردية في العراق اليوم أصبحت الملاذ الآمن للكـثـيـر من العـراقـيين العـرب الهاربين من بطش صـدام، ثم من فقدان الأمن بسبب الفتنة التي يعيشها هذا البلد المنكوب.
لم يتـحدث الأكراد عن الاسـتقـلال عن بلدهم العراق، وكـان اعتراضـهم على العلم العراقي الحالي لأنه رمز للنظام البائد، وعدا ذلك فإنها أمور تناقش داخل مـؤسسـات الدولة الواحـدة، في حين يتسـابق غيـرهم على تذويب الدولـة في الحزب واقـتـسـام مؤسـساتها وكـأنها غنائم حـرب، في غفلة كبيرة عن دورات الزمان والنـتائج الوخيمة لهذا الاحتقان، في المستقبل!
نعم، لقد ضرب الأكراد أروع الأمثلة، فلم يوجـهوا السهـام إلى الإسلام أو العـروبة كـون الضـربات قـد جـاءتهم من أشقاء مـسلمين في إيران، أيام الشاه، أو أشقياء عرب، في ظل حكم البعث.
لقد نجح الأكراد في توحيـد صفـوفهم وقـدموا للعـراق رئيسـا يتمـتع بالخبـرة والحنكة، لا تفلت منه كلمة تنم عن الأنانية الطائفـية أو العرقـية، أو تصـرف يحسب لشيء آخـر سـوى جمع الكلـمة، وهو أمر عـسـير جـدا في بلد كـالعـراق، وفي هذه الظروف المعقدة كل التعقيد.
إخوتنا الأكراد، لقد عملتم شيـئا مذهلا في أحلك الأوقات التي يمر بهـا أشقاؤكم العرب، وقدمتم نماذج رائـعة من التماسك، في وقت ساد فيه التـفريط بوحدة الموقف، وتغليب المصلحـة الضيقـة قصـيرة الأجل على المصلحة العامة، طويلة الأجل.
إن الأكراد شـعب مقـاتل، جسـور، وقد قاتل في تركـيا التي تملك أقوى جيش في منطقـة الـشـرق الأوسط، تم إعداده إبان الحقبة السوفييـتية كمقدمة لحلف الناتو، ومع ذلك دامت المعـارك مع الأكراد لفتـرة ربع قرن تقريبا.
رغم هذه الاستعدادات القتـالية الكبيرة، فان الأكراد في العراق هم الأكثر مـيلا إلى الحلول السلمـيـة فـي العـراق، ربما لأنهم يعلمون أن الانتصار في معركة البناء أطول أمدا من الحـروب التي جـعلت التـجـارب العملية شعارها «يوم لك ويوم عليك».
نعم، إنها مـعـركـة التـعلـيم والبناء وتحـسين أوضاع المواطن والمدن والأنهار والأشجار، إنها معركة لاستـرجاع شعب نصفه هـاجر وفقد أرضه، ونصـفه يسكنه الخوف، وقد فقد أمنه.
يا أكراد صلاح الدين، عـذرا واعتذارا لما أصابكم على يد بعضنا، فان هذا البعض قد أصاب غيـركم في معظم البـلاد العربيـة والإسلامية، فـاصفـحوا في قلوبكم، كـما صـفـحـتكم في لسـانكم وأعمالكم (وقل اعـملوا. . ) نعم اعملـوا. . فالتـاريخ يراقب، ويسجل وأهم من التاريخ: (. . . فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
عـذرا أن يحدث هذا باسم العـروبة، ومعذرة لتأخر الاعتذار.