سأصدق أن مجلس الأمة فعلا لا يعلم شيئا عن أولويات المواطنين وما «شافها من قبل»، وسأتغاضى عن كونه مكونا من أعضاء خاضوا الانتخابات لمرة أو لمرتين أو أكثر ووفق برامج تبشر بأولويات المواطنين، وسأصدق أيضا أن الحكومة لا تعلم عن أولويات مواطنيها شيئا، وسأقنع نفسي أنها لا تقرأ الجرائد ولا تشاهد الفضائيات ولا تسمع الإذاعة وما «تروح سوق الحجية» وأنها مشغولة لشوشتها بالاجتماعات المتوالية التي تتلمس فيها أولويات المواطنين وتبحث حثيثا عن حلول لها.
سأحسن النية و«أحدد شنب» المنطق وأضع «جلا» على شعوري الصارخ في وجهي بأنها قوية وسأتصور أن الشعب والمجلس أصبحا عاشقين يجلسان متقابلين أمام بعضهما على أنغام بيتهوفن بينما أعينهما تسير الهوينا على جسر التنهدات، يقول الشعب وهو ينظر بحنية نحو عيني المجلس: ودي أقول سر يا عمري، فيرد المجلس: كلي آذان صاغية يا حبي، فيتنهد الشعب ويقول: عزيزي ترى عندي أولويات تنموية في قلبي خاشها عنك من زمان، فيرد المجلس شاهقا: معقولة عندك أولويات وأنا ما أدري أبشر يا حياتي.. غالي والطلب رخيص، أول ما تبطل محلات التنمية غدا أجيب لك كل الأولويات اللي نفسك فيها.. أفا عليك بس أنا كم شعب عندي!
ولكن الذي «لا ممكن أبدا» أن أصدقه لا منطقا ولا «تطويفا» هو حلول التنمية بالمركز السادس في ترتيب سلم الأولويات بعد الإسكان والتعليم والصحة والقروض وحقوق المرأة، فحل مشكلة الإسكان وتطوير قطاعي الصحة والتعليم وكل ما جاء في الاستبيان هم أولاد رحم تنموي تملكه فقط أم تنموية سواء أكانت بشرية أم معمارية أو خدماتية، فكيف بالله عليكم صارت التنمية المولود السادس الخارج من رحم استبيانكم رغم أنها الأم الوحيدة والحصرية لكل أولوية!
بالمختصر المفيد استبيان المجلس هو «استبيان رقم واحد» للثورة على المنطق ويشبه عزم مجموعة من الأصدقاء على القيام برحلة إلى إحدى الجزر وعند ترتيب أولويات رحلتهم قال 21% منهم: نحتاج خياما لننام، وقال 17%: نحتاج الى إسعافات أولية وأدوية وقال 13%: نحتاج بحارا خبيرا ليقودنا إلى هناك، وقال 7%: نحتاج أموالا للرحلة.. وهكذا توالت الاقتراحات إلى أن وصلوا إلى آخر 5% قالوا وهم يبتسمون: قبل كل شيء نحتاج إلى سفينة فنحن لا نملك أي سفينة تبحر بنا إلى تلك الجزيرة.
@bin_7egri