فارس السبيعي
بداية يجب ان نقرر ان التسمية التي لازمت هدم الدواوين تسمية خاطئة بكل المقاييس، فعبارة ازالة الدواوين عبارة استفزازية وغير محببة، بل وتخالف العرف الاجتماعي والعادات الأصيلة، فالدواوين تبنى ولا تهدم وتفتح ولا تغلق وتزار ولا تهجر وصدق الأمير الشاعر السديري عندما قال:
لعل قصر ما لفيه ظلالي
ينهار من عالي مبانيه للساس
لا صــار مــا هـو مدهـل للرجـالي
وملجا لمن هو يشكي الضيم والباس
فمجتمع مثل المجتمع الكويتي والخليجي يعتبر الديوانية مصنع الرجال، وميدانا حقيقيا لصقل الشباب وفرصة يومية أو اسبوعية يتعلم فيها الأبناء أصول الحديث وآدابه من خلال الاحتكاك بأهله وذويه ورواد الديوانية، اضافة الى ذلك ان غالبية الدواوين اخذت بعدا آخر غير استقبال الضيوف واقامة الولائم واجتماع الأسرة، وهو أنها أشبه بما يسمى بالمنتدى الأدبي، حيث تسمع فيها الأشعار والقصص وآخر الأخبار، وأحيانا النقد لما يجري في الساحة الداخلية وأحيانا يمتد الى ما وراء الحدود.
في جميع دول الخليج بلا استثناء مساحة الأرض البالغة ألف كيلومتر مربع لا يتجاوز سعرها 10 آلاف دينار، وبناء ثلث المساحة لا تصل كلفته في حدود 35 ألف دينار، بمعنى ان مجموع الكلفة الاجمالية لا يتجاوز خمسين ألف دينار، ولذلك فغالبية الخليجيين يضعون دواوينهم المصنوعة من بيوت الشعر أو الكيربي داخل فناء المنزل الواسع ولا أحد يتعدى على أرض الحكومة، والسبب في ذلك انه ليس بحاجة للتعدي لأنه يملك مساحة شاسعة تكفيه وتكفي اجياله القادمة.
وكذلك اسعار الأراضي السكنية تحت السيطرة ومواد البناء في متناول اليد.
اما نحن في الكويت فإننا نتفنن في صنع الأزمات نقتر على المواطنين مساحة الأراضي السكنية ثم نطالبهم بعدم التعدي على أملاك الدولة.
فهل مساحة 250 مترا فقط تمكن الرجل من بناء ديوانية مع ملاحقها تستر المواطن أمام أهله وجيرانه وجماعته.
وفي جميع مشاريع الاسكان السابقة واللاحقة مساحة الديوانية لا تتجاوز 5x4 أمتار مربعة فهل هذه ديوانية أم غرفة للسائق.
وقد قيل قديما اذا أردت ان تطاع فاطلب المستطاع، فالديوانية عرف وموروث لا يمكن اسقاطه أو التنازل عنه مهما كانت الظروف، فمهما تحركت جرافات لجنة الازالة فإن المضطر سيعود لبنائها من جديد ولو استعاض عنها بالخيام وبيوت الشعر «وكأنك يا بوزيد ما غزيت»، ولذا فإن ربط ازالة الدواوين بهيبة الدولة غير صحيح، فلا علاقة لهيبة القانون بوضع المواطن للديوانية بجانب بيته خارج حدود عقاره، فإذا ما رخصت الحكومة تلك الدواوين واخذت ايجارا سنويا عليها فإنها تكون قد استغلت أراضي ستشغل بالكيربي أو بالخيام أو من دون ذلك بوضع كراسي والنتيجة واحدة وهي استغلال أملاك الدولة من دون ترخيص.
آخر رمسة: شخص خليجي سمع ان حكومة الكويت ستهدم الدواوين على رؤوس أصحابها ان لم يزيلوها فاتصل سائلا: وش تسوون في دواوينكم حتى ان الحكومة بتهدمها على رؤوسكم؟ لا تعليق! اللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير.