فارس السبيعي
قدم الله السمع على البصر في كثير من الآيات وقد وردت كلمة السمع في القرآن الكريم في اثني عشر موضعا، منها قوله تعالى(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
ولذلك فإن من مخالفة الفطرة أن يرى الإنسان بأذنيه أو يسمع بعينه، ولكن يبقى السؤال: هل يوجد إنسان لا يعمل سمعه ولا بصره بالرغم من سلامة هاتين الحاستين؟ والجواب نعم، فقد وصف الله المتعامين عن الحق العاصين للرب المتكبرين على الرسل فقال في وصفهم (ولهم آذان لا يسمعون بها)، والقصد هنا كما قال الطبري في تفسير لهذه الآية إنهم يترفعون عن سماع الحق، وهنا تعطلت هذه الحاسة والتي يفترض أن يستخدمها الإنسان في الحق والخير، ولذا فكل شخص لا يعمل حواسه في الحق شبهه الله تعالى بالأنعام بل وأضل منها قال تعالى (أولئك كالأنعام بل هم أضل).
فكل شخص، مهما علا ومهما كان موقعه، مسؤول عن غيره يتوجب عليه أن يستخدم حواسه استخداما سليما متوافقا مع فطرته السليمة، حتى يكون عادلا فيما يتخذه من أحكام أو قرارات قد تلحق بالآخرين الأذى بسبب نمام أو حاسد أو غيور، لأنه عندما يرخي المسؤول أذنيه ويجعلهما محل عينيه فعندها ينطبق عليه المثل «يرى بأذنيه» لأن مصدره الرئيس كلمة «سمعت» وقد نبه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن يحدث الإنسان بكل ما سمع، فقال «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» والسبب أن كثيرا من الكلام المنقول محض كذب وافتراء وناقل الكذب كذاب والعياذ بالله!
وإذا ما استثنينا الأعمى والذي يعتمد على أذنيه لتعمل عمل عينيه فإن الأسوياء هم الذين يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم والمؤمنون حقا هم الذين يتثبتون فيما ينقل إليهم حتى لا يصيبوا غيرهم بجهالتهم وطغيانهم وسطوتهم وظلمهم ثم يصبحوا بعدما تظهر الحقيقة وتنجلي الغمة أنهم وقعوا في المحظور والجور فينقلبوا عندئذ نادمين والندم كما قيل عنه إنه أشد قساوة من الظلم، لأنه عذاب نفسي يلازم النادم ما بقي!
روي عن أحمد بن حنبل أنه قال: «شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب».
آخر رمسة:
يحكى أن رجلا باع غلاما عنده فقال للمشتري: ليس فيه عيب إلا أنه نمام، فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب فمكث الغلام عنده أياما ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك «أي يتخذ له جارية»، أتريدين أن يعطف عليك؟ قالت: نعم، قال لها: خذي الموس واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام!
ثم جاء إلى الزوج، وقال: إن امرأتك اتخذت صاحبا وهي قاتلتك أتريد أن يتبين لك ذلك.
قال: نعم، قال: فتناوم لها، فتناوم الرجل، فجاءت امرأته بالموس لتحلق الشعرات، فظن الزوج أنها تريد قتله، فأخذ منها الموس فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه، وجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين.
فكن على حذرا يا من يرى بأذنيه، فليس السامع كالرائي، قال تعالى (ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير، معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم ـ القلم: 10 ـ 13).