فارس السبيعي
الكل في الكويت يدرك أننا نعيش أزمة حقيقية، وأن هذه الأزمة أحدثت آثارا سلبية، وهذه الآثار تسببت في صدع وشرخ العلاقات ما بين مجلس الأمة والحكومة من جانب، وما بين الشعب والبرلمان والحكومة من جانب آخر.
فكل أفراد المجتمع تأثروا بهذه الأزمة، أطفالا وشبابا وكهولا، رجالا ونساء.
فتلاميذ المدارس يعانون، والمرضى يئنون، والخريجون يتجرعون مرارة البطالة، والموظفون يستنجدون، وأرباب الأسر طحنتهم القروض.
والضغوطات مستمرة، وعود وآمال وتصريحات وضعت الشمس في كف والقمر في كف أخرى، ثم سرعان ما تبخرت وما زاد الطين بلة جرافات لجنة الإزالة والتي أكلت الأخضر واليابس دون روية فتغير نشاطها من إزالة التعديات غير المرخصة إلى تشويه الجماليات «ولا حول ولا قوة إلا بالله».
ومع ذلك فقد تغيرت الحكومات على مدى ثلاثة أعوام خمس مرات، وتغيرت وجوه مجلس الأمة نسبيا ثلاث مرات وبقيت المشكلة كما هي «فلا طبنا ولا غدا الشر».
يقول الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ـ الرعد: 11) ويفسرها الإمام القرطبي بقوله «أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير، إما منهم أو من الناظر لهم أو ممن هو منهم بسبب، كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم.
ويقول صاحب الظلال «إنه لا يغير نعمة أو بؤسا، ولا يغير عزا أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة، إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم».
ولذلك ومع هذه الإحباطات المتكررة والتي ضيعت هيبة الحكومة وحصانة القانون، لابد من إعادة التشخيص للحالة الكويتية، فتغيير الأشخاص المتكرر أثبت فشله، وربما كان هو السبب الرئيسي في وجود هذه الحالة الفريدة في منظومة الخليج، فعمر الوزارات الكويتية أصبح قياسيا يعد بالأيام، وفترة بقاء الوزير أحيانا لا تبلغ شهرين
وهنا لابد من القول إن تغيير السياسات أولى من تغيير الشخصيات، فبداية بسياسة التوزير والتي فقدت توازنها من مطلع عام 1981 عندما اعتمد على مبدأ كسب التكتلات ومحاولة استمالة القبائل والطوائف، وهي لعمري بيت الداء فهل الوزير الطائفي أو القبلي أو المذهبي يمثل فئته فقط، أم أنه يمثل الأمة بأسرها؟ إذن فاعتماد هذه السياسة دون مراعاة للكفاءة والتخصص أوجد حالة الضعف والخور التي نعيشها اليوم وندفع كلنا ثمنها.
ومرورا بسياسة الخطة الإستراتيجية للدولة، فنحن كمواطنين ومن ضمننا الوزراء والنواب والوجهاء والدعاة والمفكرون والباحثون والمدرسون والصحافيون وغيرهم يجب أن نعرف رسالة الحكومة ورؤيتها وأهدافها لنعمل سويا وفق هذه الأهداف حتى لا ينحرف أحد عن المسار المرسوم، وحتى تكون مؤسسات المجتمع المدني هي التي تراقب سير الخطة، تاركين لكل وزارة تحديد الوسائل وبقية الأهداف الخاصة بها.
وانتهاء بتعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لتتضمن شروطا واضحة وخطوات تسبق الاستجواب محددة بأوقات زمنية معقولة، على أن يسقط كل استجواب لا تتبع فيه الخطوات المحددة والتي أقرتها المحكمة الدستورية لأن الهدف الأسمى هو الإصلاح وليس الفساد والتهديد، فالاستجواب سؤال مغلظ لا أكثر ولا أقل ومن ضمن شروطه أن يهدف للإصلاح دون التعرض بالخدش والاستهزاء ورفع الصوت للمستجوب إعمالا بشروط النصح والمحاسبة واحتراما للأشخاص، وأما فتل العضلات ورفع الأصوات فليس منها نفع إلا الانتصار للنفس وحرق الكفاءات والعودة لنقطة الصفر
آخر رمسة:
أكدت المحكمة الدستورية على ضوابط الاستجواب وعددها 16 ومنها البند خامسا الذي يقول «لا يجوز تضمين الاستجواب أي تجريح أو مساس شخصي بخصوصية الوزير بقصد النيل منه أو التهجم عليه أو التشهير به» فهل نستطيع تغيير السياسات قبل أن نشرع في تغيير الشخصيات والتي أدخلت في أفران الحياة السياسة مجرد سؤال؟