فارس السبيعي
«رب كلمة قالت لصاحبها دعني»، مثل عربي قديم، حيث يحكى أن ملكا من ملوك حمير خرج للصيد ومعه نديم له، كان يقربه ويكرمه، فأشرف على صخرة ملساء، ووقف عليها فقال له النديم: لو أن إنسانا ذبح على هذه الصخرة إلى أين كان يبلغ دمه؟ فقال الملك: اذبحوه عليها لنرى دمه أين يبلغ فذبح عليها، فقال الملك «رب كلمة قالت لصاحبها دعني».
فالكلمة ما إن تخرج من فم الإنسان إلا ملكته، بينما تكون رهينة بين فكيه مادام قابضا عليها، وهي بداية الحرب وبها يحل السلام، وبها يمتلك الإنسان ويهب، ويعقد ويتزوج ويطلق، والكلمة إما أن تصف الإنسان بالصدق أو بالكذب، وإما أن تدخله الجنة أو تدخله النار.
ولذا يقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم».
واليوم في الكويت اختفت من خارطتنا الخطوط الحمراء، فباسم الحرية انتهكنا الأمور الشخصية، وباسم الحرية مزقنا جدار الوطنية، وباسم الحرية أوقدنا في الصدور ضغينة الطائفية والمذهبية والقبلية، حتى ليخيل لمن يتابع قنواتنا الفضائية ان الكويت تعيش صراعا أشبه ما يكون بحرب الطوائف في لبنان!
فيا وزارة الإعلام، أنت وفق القانون من تقومين بمنح التراخيص للصحف والمجلات والقنوات، فقومي عافاك الله من الوهن والصمم وقلة الحيلة، واضبطي ايقاع الكلمة المسموعة والمقروءة والمرئية، فالمواطن بسبب الانفلات الإعلامي أصبح مشتتا وبصمتك أصبح البعض يقلد الغير ممن يهوى المخالفة لمكاسب دنيوية، حتى أصبحنا لا نعرف توجهات وزارتنا الفتية أهي مع أم ضد الفوضى الإعلامية!
فالانضباط والمسؤولية شعاران يجب أن يكونا ملزمين لكل صوت إعلامي، وعلى وزارة الإعلام أن تعمل ميثاق شرف إعلاميا وطنيا يحمي بلادنا من هذه الفتنة البغيضة التي حذر منها رسول الله ولعنها ولعن من أيقظها، كما يجب أن تسن عقوبات رادعة لمن يمزق جدار الوطن وأن تكون باهظة الثمن، فالتصدعات وإن تمت معالجتها فإن آثارها تبقى واضحة للعيان لا تنمحي أبدا.
آخر رمسة:
في عام 1986 وبعد أن حل مجلس الأمة، وتشكلت دواوين الاثنين، وحدث ما حدث، قرئت الأحداث خارجيا قراءة خاطئة، دفعنا جميعا ثمنها صغارا وكبارا رجالا ونساء، فالأحداث تصنع التاريخ والعبر تستلهم من الأحداث، والحكماء هم الذين يستفيدون من أخطائهم.. فهل نتعظ مما جرى وحصل؟ مجرد سؤال.