فاطمة عبدالله الناصر
ما أجمل أن نجد وطننا الحبيب يواكب عصر الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، فلا يكاد يخلو منزل في الكويت من جهاز حاسب شخصي متصل بالشبكة العنكبوتية (الانترنت) التي يستطيع من خلالها الشخص الإبحار في عالم مفتوح، لا تفصل بين أقطابه حدود، ولا تحجب معلوماته حواجز، لكن هذا العالم المتشابك يختلط فيه الغث بالسمين والضار بالمفيد، فيصبح سلاحا ذا حدين، يثري عقولنا إذا أحسنا استخدامه واستثمرنا إيجابياته، ويدمر قيمنا وأخلاقنا ومجتمعنا إذا أسأنا استخدامه وانصرفنا عن إيجابياته الكثيرة إلى سلبياته الأكثر والأخطر، فمن خلال هذه الشبكة الالكترونية يستطيع المرء أن يكون عنصرا فاعلا في خدمة نفسه ومجتمعه ووطنه، كما يستطيع في المقابل أن يكون إنسانا فاشلا ضارا لنفسه أولا ولمجتمعه ووطنه تاليا.
وفي ظل هذا الواقع، الذي لا يمكن الفكاك منه، لابد لنا من التفكير مليا في مستقبل أبنائنا، وخصوصا المراهقين منهم، الذين يعبرون مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، يعتريها كثير من التغيرات النفسية والبيولوجية والاجتماعية، ويزداد فيها حب الاستكشاف والاطلاع على كل ما هو جديد، وهنا يكمن الخطر الحقيقي من الخوض العشوائي في هذا الفضاء المعلوماتي الرحب، الذي تخوض فيه أعداد لا حصر لها من الناس المتباينين في مستوى أخلاقهم وقيمهم المجتمعية وعقائدهم الإيمانية، الأمر الذي يتطلب منا، نحن الآباء والأمهات، أقصى درجات الحذر والحرص على متابعة ما يفعله أبناؤنا عند دخولهم على الانترنت، فكثير من الأبناء أصبحوا مدمنين على الانترنت، يجلسون أمام شاشة الحاسوب معظم ساعات الليل والنهار، حتى تدهور مستواهم الدراسي، وباتوا مهددين بخطر التحول إلى أفراد انطوائيين معزولين عن أهلهم ومجتمعهم
إذن، كيف نحمي فلذات أكبادنا من مخاطر الانترنت، ما الأسلوب الأنسب للرقابة؟
إن التربية في عصر العولمة أضحت عائقا، فقد همش دور المدرسة في التعليم والتثقيف، وأقصي دور البيت في الرقابة والتربية، بسبب ما يطلقون عليه «الحرية والاستقلالية والتثقيف الشخصي».
أليس من الأجدى أن ننمي عند أبنائنا الوازع الديني والرادع الذاتي، ونذكرهم دائما بأخطار الانترنت وسلبياته والطريقة الصحيحة لاستخدامه، بدلا من فرض الرقابة الجبرية عليهم؟
إن الحل يقوم على تثقيف أفراد المجتمع منذ مرحلة الطفولة حول مزايا الإنترنت ومخاطره، كما يجب على الأسرة أن تقوم بدورها في رعاية ومراقبة أبنائها، هذا فضلا عن توفير بدائل للترفية لدى الشباب بعيدا عن الجلوس أمام الإنترنت لفترة طويلة. إن دور الأسرة لا ينتهي عند وضع الطفل أمام الجهاز، ولا أن تنتظر من وسائل الإعلام أن تقوم بدور المربي بالنيابة عنها، فالاهتمام بالطفل قبل سن السادسة والحفاظ عليه من كل ما يمكن أن يكون له أثر سلبي على شخصيته، يندرج ضمن دور الأسرة الذي يتمثل في تفعيل الدور التربوي للأبوين، فلا يسمح للأطفال بالبقاء لمدة طويلة أمام هذه الوسائل من دون رقيب، وليتم تقليص المدة بالتدريج، كما يجب أن تترك أجهزة الحاسوب في مكان اجتماع الأسرة، بحيث لا يختلي بها الطفل في غرفته. وفي هذه الحال يصبح من الضروري أن يشاهد الكبير مع الصغير، وأن يقرأ الوالدان مع أبنائهما، ولا يترك الصغار هدفا للتأثيرات غير المرغوبة لثقافات غريبة على مجتمعنا العربي المسلم، فيما نقف نحن الكبار نشكو من الغزو الثقافي للأمة، فالرقابة على ما يعرض للأطفال والبقاء معهم أثناء العرض، أمر ضروري لتنمية قدرة الطفل على النقد وعدم التلقي السلبي، ويجب علينا أن نتمتع بعقول منفتحة ونستمع إلى أبنائنا وهم يعبرون عن أنفسهم بكل سعة صدر، ولا ينبغي أن نغفل وسائل الترفيه الأخرى، كالخروج والنزهات واللعب الجماعي وغيرها.
كفانا انشغالا عن أبنائنا وتجاهلا لدورنا في تنشئتهم وتربيتهم وحمايتهم من المخاطر المحيطة بهم، فللأسف أصبح لا يلتقي الوالدان في الكثير من الأسر مع أبنائهما إلا ساعات قليلة، فالأب مشغول بالعمل والدواوين، والأم مشغولة بعملها والتجمعات النسائية من استقبالات و«كافيهات» وتسوق، وغدت التربية في نظرهما تلبية طلبات أبنائهما المادية، دون النظر إلى حاجتهم العاطفية، ما جعل الأبناء يعانون من الفراغ العاطفي الذي يتسبب بشكل مباشر في دفعهم نحو المجتمع الخارجي دون ضوابط ودون وعي حقيقي لمفهوم الحرية، وهذا كله يؤدي إلى ضعف عنصر الوعي المجتمعي، وكذلك الوعي الديني، بسبب عدم وجود المرشد والموجه داخل الأسرة.
فيا أيتها الأم ارجعي إلى مملكتك (بيتك)، فأنت العنصر الأقرب إلى قلب وعقل وشخصية طفلك. فالله ـ عز وجل ـ اصطفاك من بين سائر خلقه، وزودك بشيئين عظيمين، ما جعلهما لأحد غيرك: حنان غير محدود، وصبر لا يعرف النفاد.
أما أنت أيها الأب، فعد إلى دورك، ربان سفينة أسرتك، قدها بخبرة وفطنة وحكمة إلى بر الأمان، فأنت القدوة ومصدر الثقافة الفكرية والعلمية، فلا تغب عن منزلك لساعات طويلة أو لأيام وأسابيع، ولا تنس أنك ملجأ أبنائك الوحيد عند كل كرب وضيق.
إننا إذا التزمنا هذا السلوك في بيوتنا، وأصررنا على أداء دورنا التربوي بوعي وإرادة، لن يستطيع أحد أن ينزع منا هذا الدور، حتى وإن كنا في زمان العولمة.
حفظ الله الكويت من كل مكروه.