قبل أن تخطو حاجتي أولى خطواتها في طريق القراءة كان يملأ كياني رهبة وفزع، استكبار وحياء، استثقال وشوق، وكأنني عروس ليلة زفافها تهاب حبيبا غريبا عنها تشتاق إليه! لكن يمنعها حياؤها، ويقف الخوف حائلا بينهما، شعور بين الرغبة والرفض، الحب والبغض، ثم وجدتني فتحت النافذة بفضول جريء، ظننت أنني سألقي بنفسي منها، وإذا بي أرقص فرحا، أتمايل مع سيمفونية سحرتني بحروفها كالذهب تتلألأ نورا براقا تحت شعاع القمر في ليل حالك مستتر، وأخذت ترانيم عزفها في تقليب أوراقها، ودفع شعري إلى الوراء في انسيابية جذابة، مع قهوتي الخلابة، التي أخذتني من يدي لعالم أشبه بعالم الخيال، وتحت ضوء الشموع وطئت قدماي طريقا علمت لحظتها أنه بلا رجوع، قد فعلتها؟!.. معقول..؟! نعم، تجرأت أخيرا وكسرت القيود لم أكن أعلم نوعها أهي قيود الطبيعة، أم عدم التعود، أم الانشغال....، لا يهم. الآن ما يشغلني أني تحررت وأخيرا أطلقت لنفسي وعقلي العنان لولوج عالم الفكر والعلم والخيال ما أروع هذا المكان وددت لحظتها ألا يكون له باب لأخرج منه إلى عالم الواقع والمحال، أخذني الفضول الجارف الذي يسبق الحب، انطلقت.. وإذا بي عشقت هذا الكتاب!!، وأخذت أرتوي صفحة تلو الأخرى وأرتشف رحيق الحياة، حتى أنهيت أول رواية لي في حياتي، لم أصدق نفسي هل هذا يحدث حقا؟! أم أنني أحلم حتى وإن كان حلما فانا لا أرغب في أن أستفيق منه، بحثت طيلة عمري عن السعادة وعن وفاء الصديق، كانوا في المدرسة يقولون لنا حينما كنا صغارا «الكتاب خير صديق»، الآن فقط: أدركت معناها وتذوقت حلاوتها وكأن طيفا ما وضع قطعة حلوى لذيذة في فمي سحرتني لذة مذاقها، أخذ عقلي يلومني وروحي تنهرني كيف أني حرمتهما تلك السعادة المفرطة طيلة عمري، لكني صرخت بملء صوتي لا.. توقفوا.. دعوني الآن، دعوا تلك السعادة تغمرني وتشبعني وتعوض لي ذاك الفقدان، لا وقت للندم على ما حدث وكان.
«هذه بدايتي مع القراءة! أنا من يحكي تجربة فريدة ليست قصة من وحي الخيال أرويها لكم، فلم اكن مولعة بالقراءة يوما ما، بل لم أكن أحبها وكل ما كتبت سابقا كان نابعا من عقلي وقلبي وكامل كياني، هذه تجربتي الشائقة الممتعة وبداية مشوار شعرت على بوابته بأنني ولدت من جديد، من رحم هذا الكتاب».
لا تحرموا أنفسكم أحبتي.. هذه السعادة التي حرمت، ففقدت الغالي والنفيس اقرأوا وأطلقوا العنان للعقل والروح كي يسبحا في عالم الحب والخيال، صدقاً ما أروعها سعادة لا توصف، حتى أنني لا أحب الآن تضييع وقتي الذي أصبح ثمينا ممتعا، لم أعد أطيق بعدي عن صديقي الجديد لا زاد ولا زواد سواه هذا الحبيب، وجدت أخيرا صديقا لا أمله ولا يملني، لا يخون، لا يكذب، لا يذهب بعيدا عني، يأخذني معه لعالم الفن والحب والخيال والفكر والإبداع، نعم ذلك هو الكتاب وهذه قصتي التي بدأت معه.