ودعنا رمضان وكأن الوداع بالأمس، وهاهو عاد إلينا لنستقبله من جديد، أسأل الله أن يبلغنا وإياكم ويعيننا على قيامه لا فاقدين ولا مفقودين، لا مبدلين ولا مغيرين، واجعلنا اللهم والمسلمين من المعتوقين.
عاد إلينا من جديد حاملا بين طياته معاني عظيمة لها أجر عظيم.
عاد إلينا ببساطته التي لا حدود لجمالها وكمالها، وإيمانياته التي لا حدود لشمولها وعذوبتها.
عاد إلينا بعفويته التي تعمر القلوب وتحيي فيها كل فضيلة، وبخصوصيته الروحانية التي تسمو إليها النفوس.
مميز هو بتفاصيله التي ننتظرها عادة بفارغ الصبر ونتوق إليها مرة كل عام.
حاملا في جعبته كل ما يعود علينا بالخير والمنفعة، ليغمرنا ببركاته ورحماته، ويملأنا بنوره الذي لا يخبو.
عاد فوجد اغلبنا للأسف متكلفين، مغالين، مشدوهين مهرولين في جنون خلف أخيلة الألبسة الفاخرة والمحبوكة، غارقين في آخر صيحات التصاميم الفخمة، وفي تلك الأساور والخلاخل، وفي تلك الجزم.
فلم ينفك للأسف أصحاب العقول الجامدة عما هم فيه من مظاهر «الفخفخة والهيل والهيلمان» ولا من تلك القشور الخارجية التي أصبحت تحاصرنا في كل مكان، فأفقدتنا منهجيتنا، وأفقدتنا فطرتنا، وأفقدتنا الاتزان إلى أن اصبحنا لا نحسن رؤية الأشياء على حقيقتها وواقعها، خاصة أننا نعيش في زمن تلعب في العقل مئات بل آلاف الخواطر.
فنحن لا نصوم ونتعبد ونصلي، ولا نأكل ونشرب، لكننا في لهث خلف أفكار متتابعة متتالية في عقل مضطرب، حتى وصل بنا الحال إلى حد المبالغة والبذخ.
كم هو جميل لو تمعنا فيه وفي تفاصيله، اكثر من تمعننا العميق في شكلياته، فهو نفحة إلهية وعطية ربانية، يزورنا ليجددنا روحا وجسدا.
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: (وما أنا من المتكلفين) والله لا يحب المتكلفين.