تتوارد خواطر كثيرة في ذهني، والتي كنت اختزن ما يمكن اختزانه منها، ليس لأنني إنسانة كاملة وغيري ناقص، ولا لأنني شخصية مثالية فأركز على السلبيات من الأمور تاركة الإيجابيات، ولا لأنني إنسانة صالحة لا أخطئ كالملاك، بل العكس أخطئ ولي حصيلتي من الأخطاء.
ولكن هناك الكثير من الأمور والممارسات السلبية التي أصبحنا نراها في تزايد مستمر، وصار ينظر إليها كصفة مميزة، أمور لم تألفها نفوسنا أبدا، غير خاضعة للقيم التقليدية السائدة في مجتمعنا، وأصبحت الآن مألوفة وعادية جدا.
حين تصبح الفتاة وقحة وقليلة حياء، تتجاوز حدودها بما لا يتوافق مع تقاليدنا وبأسلوب شائن ضد الدين وضد أعرافنا، من خلال عرض مفاتن جسمها الذي عجز عن تغيير جهلها في الجانب النفسي، سواء في عروض الأزياء، أو حملات دعائية شاركت فيها.
وحين يغيب احترام الفرد، والذي في أساسه هو بناء منهج للقضاء على كل ما هو خادش للحياء ومخالف للتعاليم الدينية والآداب العامة.
وحين ينصب تركيز إعلامنا على حفنة من الذين جعلوا من وقاحتهم سببا للارتقاء إلى أبواب الشهرة، أشخاص يعيشون انفلاتا أخلاقيا دون قيود، لضيق المكان الذي يسكنون فيه، ولطبيعة بيئتهم التي يعيشون فيها، والتي لم تحسن تربيتهم، وانحلالهم خير برهان لحقيقة فساد منبتهم.
فأصبحنا لا نستغرب حين نجد برنامجا لا يفرق مذيعوه بين مفهومي «القيم» و«الأخلاق»، ويوظفون كل أدواتهم وصلاحياتهم فقط لالتقاط أي مظهر مغاير للحشمة والعفاف والفضيلة، مسايرا للمنهج العقلي الغربي بل وأسوأ.
منهج ذو انحطاط مدروس وموجه، يستهدف شريحة كبيرة من الأغبياء، والذين بفضلهم اصبح مقدمو برامجنا كالغثاء مهووسين بكل ما هو مخجل ومقرف حد الغثيان.
مجموعة من القطيع تجمعاتهم وضحكاتهم بلا معنى، وجلساتهم بلا هدف، مشغولون دائما بلا شغل، يثيرون الضجة والبلبلة بأي عمل، للفت الانتباه لا اكثر.
فاحتواهم الإعلام بصدر رحب، ليخرج لنا في المستقبل جيلا يرى الحياة في جلسة ع الرصيف، تشوهت نظرته لا منطق له ولا هدف.
ما نعرفه حقا وما نؤمن به، أن الإعلام هو المرآة الصافية التي تعكس لنا مدى رقي ووعي مجتمعنا، مرآة تعكس أصالتنا، تعكس مفاهيمنا الحميدة، وليس مفاهيمنا البالية والبائسة، المتربعة على عرش جهل محطاتنا التلفزيونية والإذاعية.
فهو المنبر الذي يفترض أن يظهر لنا بصورة جديدة ومشرقة نفخر بها.
وليس منبرا لنشر الأفكار السيئة من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، والانسياق خلف الإسفاف والانحدار الأخلاقي، وانعدام الذوق الفني الذي نراه من تلك الفئة.
ساعيا جاهدا على تشجيعهم للتحليق في عالم وهمي مليء بالأكاذيب والفواحش والقاذورات والرقص والميوعة الوضاعة للأسف.
ولا اعرف ِلمَ لا يسعى إعلامنا دائبا للتعرف على كفاءات أبنائنا وبناتنا الذين نثق بأنهم يملكون الأهلية الكاملة لصناعة مستقبل وطننا الغالي، ويحاول إبرازهم في صفوف الأجيال الصاعدة التي نعتز بها، لما يملكونه من فكر عال، وثقافة واسعة، وأسلوب أدبي مبهر بدلا من أن يستضيف أشخاصا يفخرون بتعمقهم في الفلسفات الأوروبية السيئة، فرحين جدا بنشر الرذيلة والخزي، لأنهم لا يملكون ما يستطيعون الظهور به سوى المقومات الهمجية والسلوكيات الخرقاء، عارضين أنفسهم بصورة رخيصة جدا، بخلاف تلك الإيحاءات المنحلة، والتي لا هدف منها سوى دغدغة وإثارة الغرائز التي يستحي منها الرجل فضلا عن المرأة.
يخيل لي أحيانا وكأنهم مكب ضخم للمخلفات والنفايات، التي تكاد رائحتها أن تقتل مجتمعنا.
فلقد أصبحنا نخشى من إعلامنا اكثر من أن نخشى عدونا، لما يحمله من سخف واحتقار وانحدار، وكأنه يعيش بغيبوبة التطبيل والتزمير للذين يتربعون على مستنقع الفساد، بجرأتهم وتعابيرهم البذيئة.
فلقد فقد صراحته وفقد مصداقيته، وصار يتقهقر إلى الوراء، بعدما تجرد كل التجريد من موروثاته ومن ثقافاته وحضارته، كالصندوق الخشبي المعتق، أفرغ كل محتوياته الأصيلة والجميلة، وأبدلها بأجزاء متناثرة بما لا يتناسب مع جوهره من ثقافات الآخرين.
عيّن أشخاصا لا مبدأ لهم متلونين متناقضين في كل مواقفهم، افتتنوا بالوضاعة، فاتبعوا الأهواء وانتهكوا حرمته، ناهيك عن ملاك تلك القنوات الذين لا مغزى لهم غير أن يجعلوا جيبهم عامرا بالدينار.
يبثون برامج تحمل من السقطات والهفوات والفجوات الشيء الكثير متبعين مبدأ «خالف تعرف»! طارحين تلك المواضيع الرديئة والتي تتخللها مفردات خادشة وألفاظ لم نعهدها من قبل، الهدف منها تحقيق أعلى نسبة مشاهدة في محركات البحث بالمواضيع الفارغة والتي لا محتوى لها، ليصلوا بسرعة البرق إلى المشاهدين أو المستمعين.